بوح الصمت ولذة القناع

Views: 1244

د. جوزاف ياغي الجميل

 

(قراءة في قصيدة الشاعرة الدكتورة غادة السمروط)

 

“وعُدتُ إليَّ”

إنّها ساعةٌ من الوحدةِ،

حيثُ الصّمتُ بلا لونٍ،

حيثُ الحلمُ ينامُ حتّى الثّمالة،

وحيثُ لا زبدَ يُسِرُّ إلى الموجةِ طريقَها !!

                                 د. غادة السمروط

 

 

قصيدة من مجموعة ومضات “وعدتُ إليّ” (تنشر يوميًا في موقع Aleph-Lam) للشاعرة الدكتورة غادة السمروط عودة إلى الجذور، إلى بحر من الحلم المدجّج بالموج النؤاسي.

عودة إلى الذات، حيث الصمت المدوّي، وغابات الألوان.

 بالله عليك، شاعرة الحلم، قولي: كيف يعتقل الصمت في زنزانة الوحدة؟

وكيف يزهر البوح أرغفة انتظار؟

أخبرينا، أيتها الحورية الشاعرة  غادة السمروط، كيف فقد الصمت لونه؟ وما نداء الأحزان؟

الصمت بلا لون والكلام ألوان. وحين يتحد الصمت بالكلام، تبدأ ثورة الملام، وتنكسر مرآة الحروف الزرقاء.

الصمت بلا لون لأن الوحدة سرقت منه قوس القزح، بل قوس الله. حوّلته الكآبة إلى مومياء تشهد لظلم العصور الخرقاء.

تعودين إلى الذات في ساعة خارج حدود الزمن، في عالم من الهباء. والهباء فراغ نفسي وإحباط لا قياس له، في عالم الكائنات. تفقد المخلوقات فيه ألوان الحياة.

ونسأل: بمَ يثمل الحلم إن لم تسكره أشعارك الخضراء؟ وما أحلام الصمت في عبق الذكريات الحسناء؟

هو صمت الماء. والماء النمير بلا لون، شفّاف كما الشعر، والعطر، والنقاء.

هو صمت الحب. والحب حين يخرج من أسر جسدانيته يصبح قطعة من روح الإله.

هو صمت البوح. والبوح ناي تشفّ مشاعره الحبلی بالأحزان.

وبعد، هل نسأل كيف اختفى لون الغرق؟

كيف انتشى العالم بكأس الحلم، بعدما أدى قسطه للعلى؟

ينام الحلم ثملاً لأنّ الوجد براه، والجرح براه، فلم يبقَ منه إلا شعلة السكون.

ينام الحلم في بحار من الألق، لا زبد فيها، ولا غرق. أمواجها اللحن المعتّق بالآمال. وحيث الأمل فهناك موانئ الحياة.

تعرف الموجة طريقها إلى شواطئ المعرفة، إلى حيث البداية والوصول.

وحين تنكسر الموجة على صخور الواقع، تحلم بالعودة إلى الأعماق، إلى الفرح الخلاق، حيث المحار ، بل حيث العقل لا يحار، ولا تؤرقه الأشواق.

الصمت عالم من الكمال، والجمال. وفي ذلك يقول المتنبي:

تَناهَى سُكونُ الحُسنِ في حرَكاتِها

فليسَ لراء وجهِها لم يَمُتْ عُذْرُ

وهذه حال القصيدة. هي موجة تصل الشاطئ/القارئ فتغفو ثملى بروعة اللقاء/ الحلم.

ساعة من الوحدة هي ساعة الخلق. والوحدة ليست انعزالا، لأن الصمت رائدها، والحلم قائدها، في رحلة الإبداع.

عودة إلى العنوان: “وعدت إلي”. إنها عودة الذات الصغرى إلى الذات الكلية، عودة القصيدة إلى القلب المعطر، في غابات ليس بعدها اتساع. غابات يعانق حلمها الحضور والغياب. وحين تولد القصيدة، ويبوح بها الورق، ينتهي الأرق، ويبدأ فعل الصمت، في تناهي سكونه الجميل.

أما طريق الموجة فهو طريقان: نحو الشاطئ كي تتفجر ألقًا، ونحو الأعماق كي تولد غرقًا، ويشرق الحوار الذي سره لا يذاع.

غادة السمروط، أيتها الشاعرة المتألقة سكونا، والصاخبة صمتا، وعطرا يسافر في ظلاله السحر والإمتاع. لك البوح المصفّى، والشعر المقفّى، ولنا القراءة والتأويل، عسى أن يبوح الصمت/الجمال  بالحب/ الشعر، وينكشف القناع.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *