مورفين أبيض النوايا

Views: 790

غاده رسلان الشعراني

 

 “مورفين أحمر” رواية من القطع المتوسط للكاتبة مجدولين الجرماني، تمت طباعتها بدار سين بدمشق، الغلاف للفنان التشكيلي اللبناني عبد الحليم حمود. 

 

من مقولة ماركس “الدين أفيون الشعوب” وحتى مقولة أكورد “الدين مورفين الشعوب” على اعتبار الدين مفهوم علاجي في السياق الأشمل لإدراك الشعوب والمجتمعات وباعتبار المورفين مسكن طبي للآلام الشديدة دون إفراط حتى لايؤدي لفقد الوعي والإدمان…

 اختارت الكاتبة مجدولين الجرماني عنوان روايتها فمنحت مورفينها للون الأحمر رمز الحب، الثورة، الحرية ورمز النفس الإنسانية بأنثويتها التجريدية كما كانت رمزية للتحرر من كل القناعات الموروثة والتي تطال المرأة كوجه الخليقة الأكثر ضعفاً أمام قوانين الحياة والمجتمعات الجائرة … فكانت محاولة لفقء عين هذه الموروثات بأيدٍ أنثوية صارخة باحثة عن جوهريات ذواتها، عن حاجاتها وعن إشباع غرائزها كجزئية هامة من الطبيعة الأم …

 

كانت مورفيناً لأجل استمرار الحياة من خلال البدء بالتعاطي مع كل محور أنثوي من محاور الرواية لتساعد ذاتها على العيش وحتى لايتحول العيش لأجل هذا الإدمان …

سعت الكاتبة لعدم ملامسة وجدانيات الشخصيات لأنفسنا كقراء بالقدر الذي تسمح به بالتعاطف مع حاجاتها بل تركت الأفق مفتوحاً لتساؤلات عميقة يدركها القارئ كفلسفة تواجهنا في كل لحظة تحمل في طياتها محاولة لاستقطاب أوجاع الأنثى بعرض سريع متلاحق لحالات عديدة من باب التلقي العلاجي لا من الباب الإنساني كفسحة مقصودة من الكاتبة بين جذب وشجب لحق الأنثى بالحب تاركة معها الجواب للقارئ المتفهم المدرك لمشاكل الحياة بكل سوياتها …

جسدت الكاتبة رؤيتها الخاصة من خلال شخصية البطلة بمحوريها الواقعي/شام/ والأسطوري /هيرا/ فكانت بين الشخصيتين الأنثى المخلصة لعملها وزوجها والمنكسرة بالفقد والحرمان والخيانة، والأنثى الآلهة القوية ذات القرار والجبروت وصناعة الذات مما ساعد على منح كل محور من محاور الرواية قدرة أنثاه على الصدق في نقل ماتواجهه وبكل جرأة وكأنها مرآة النفس في حالات متعاقبة من التجسد، لندرك معها أن الأنثى الأصل تحمل كل حالات الاضطهاد عبر السنين وهنا لن ندل بأصابع الاتهام نحو الرجل فالمرأة كانت أيضاً سبباً رئيساً للاستكانة والخنوع والتنازل عن حقوقها خاصة من الناحيتين العاطفية والجسدية كمفهوم حسي وغريزة ضرورية تبعثان على التوازن في الحياة وذلك لإرضاء المحيط …

 

تمثل الأنثى الأصل مع مجدولين الجرماني تكثيفاً شاملاً للروح الإنساني أي للقيمة بما هي لُباب الوجود أو نسغه الداخلي بل هي نداء يحض الإنسان على أن يجعل لحياته معنى بحيث تصير العيش الذي يستحق أن يعاش وهي إعادة تأسيس للوجدان أو دعم له في عالم ساقط يتصدع وينهار على الدوام …

رغم هذا فقد أنهت الكاتبة روايتها بتجدد الحياة واستمرارها من خلال شخصية هيرا التي أنقذها ابنها ولم تقطع معه سبيل الحب بل تركته خطاً أثيراً جميلاً بعودة الحبيب لتمنح القيمة الجمالية للحب أنى حل ومتى كان … 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *