مشوار مع نور الهدى وجان سالمه

Views: 760

الممثل يوسف فخري

عزيزي جان سالمه، قرأت كتابك عن نور الهدى. كما قرأت الكتاب الذي وضعه عنك انطوان يزبك “الملاك الحالم”، فالاسم ينطبق عليك إلى حد ما. ولكن على الأرض لا يوجد ملائكة للأسف ! فقد يقترب افراد قلائل من الملائكة، ولكن مهما تقاربت المسافة فستبقى شامخة.. أما المسافة بين السواد الأعظم من البشر وبين الشياطين فهي اقرب من الرمش إلى العين..

بالنسبة إلى كتاب “الملاك الحالم”، فسطوره تنبض بالمحبة المكللة بالاعجاب بشخصك وبأعمالك، التي هي بعضك. ولكن بين الاعجاب وبين الغوص إلى اعماق النفس البشرية فرق بعيد، فلا يدرك مكنونات أي انسان حتى اقرب الناس اليه، فما أغرب الذين يحاولون تشريح النفس البشرية. من أطباء نفس ومن فلاسفة وباحثين في متاهات النفوس سواء كانت نفوس عباقرة أو نفوس برابرة. يبقون عاجزين بمباضعهم الكليلة عن الوصول إلى التناقضات التي تتولّد في اعماق النفوس التي تتكاثر وتنمو في ثواني وتضمحل في كل ثانية، ولا تستقر على حال. ويبقى الحلم ثابت في خيال الانسان إلى النهاية.. فالحالمون لا يشيخون! 

والغريب في الانسان انه يكون في حلم ولكنه لا يتبع حلمه إلا حين انقضائه؛ 

الممثل يوسف فخري

 

 

***

أما بالنسبة إلى كتابك عن “نور الهدى”، فقد اعادني إلى أيام الماضي المضمّخة بالأحلام السعيدة، إلى عصر كان يسمى العصر الذهبي، وقبل ان نصل إلى عصرنا التنكي. انا كنت أحب نور الهدى ولكنني أحببتها اكثر من خلال قراءتي كتابك عنها.. وهذا ما قلته لميخائيل نعيمه عن كتابه “جبران خليل جبران” فشعّ في وجهه وميض الغبطة وقال: “هذا رأي كل الذواقين”.

كتابك عن نور الهدى سكبته في كأس جذاب بريقه يبهج النظر ويغري على رشف محتوياته التي تشف عنها الكأس. فصورة الغلاف جميلة ومعبّرة وفيها براءة وألم وشبه فرحة غير مستقرة. وسأبدأ برشف اول قطرة من كأس الكتاب وهي المقدمة للعميد أسعد مخول. كم أكره الألقاب وأتجنبها فأعظم لقب للانسان هو اسمه. ولكن ما حيلتي ونحن بعالم يعجّ بالألقاب؟.. 

مقدمة الكتاب كانت اشبه بمعزوفة موسيقية شجية. وأروع نغماتها كانت في النهاية المأسوية التي تهزّ اوتار القلوب وتذكّرنا برحيلنا المحتّم رغم كل شيء. ولكنها لم تكن عن جان سالمه وكتابه بل عن العميد اسعد مخول.

غلاف كتاب “نور الهدى”

 

 

***

آخذ على الكتاب عدم انسياب أحداثه، بحيث يكون القارئ مسترسلاً مع أحداث الكتاب يجول في ظلال روضته الزاهية، إذ به يجفّل امام حادثة قد ذكرت سابقاً وتكررت مرات عدة. فيختلط عليه الأمر كمن أفاق من حلم جميل إلى واقع مرير: قد تكون نور الهدى سردت وقائع حياتها واعادتها. ولكن على المؤلف اعادة صياغتها من جديد ليحظى الكتاب بالمكانة التي يستحقها. ولا يكون أشبه بفيلم سينمائي جيد، ولكن طريقة اخراجه افقدته الكثير من روعته.

من الحوادث التي جمّدتني حيالها حادثة يوسف وهبي عندما أراد اصطياد نور الهدى. فرغم قبح المحاولة فقد وردت بأسلوب مهذّب قدر الامكان وكما أرادت نور الهدى. ما أجمل التعبير عن الشجرة العارية من أوراقها التي ترمز إلى الجسم البشري العاري. وما أغرب هذا الكائن البشري الذي مهما ارتفع يظل يضاجع التراب! 

ولكن لماذا الاستغراب وهذه هي الحياة؟! 

وحادثة اخرى عندما كانت نور الهدى في أحد الفنادق وشاهدت مشاجرة بين رجلين حيث ظهرت عورة احدهم! وهذا كل ما عرفته عن جنس الرجال حسب قولها. واعتقد بأنها صادقة…

 واذكر حكاية المشادة بين يوسف وهبي ووالد نور الهدى، عندما رشقه يوسف وهبي بعبارة “كيف تتجرأ وترد على سيدك”، فقذفه والد نور الهدى بالكرسي، ولو أصابه لكانت مصيبة..

 ومن النوادر الطريفة التي وردت في الكتاب نادرة عن عبد الوهاب، عندما قرعت نور الهدى نافذته كي لا تزعجه، فهب مذعوراً وكاد من خوفه ان يقفز من الشباك.

صورة نادرة لـ نور الهدى وجان سالمه

 

 

***

من الشخصيات التي كان لها صلة بنور الهدى وردت اخطاء في بعض الأسماء منها منير الأحمر والصواب هو منير الأحمد، وهو اذاعي مرموق ومقدِّم برامج في الاذاعة اللبنانية وهو ابن الشاعر بدوي الجبل.

كما ذكر من المطربات اسم شادية احمد، والاسم الصحيح هو شافية احمد‘ وهي مطربة ضريرة وقد سطعت في الأربعينيات والخمسينيات واستغلوا صوتها في أفلام عدة. ومن أشهر اغنياتها اغنية “الوو يا عاشقين الورد يا مغرمين الورد”. ومن بين الممثلين الذين شاركوا في فيلم “برلنتي” ذكر اسم حسن الباروني وشارك في افلام سينمائية.

عزيري جان سالمه، للمثالية علامات مميزة صادقة ونيّرة ومن ابرزها التعاطف مع الذين لا تربطنا بهم مصلحة، ومن المثالية العطاء المعنوي والمادي والعطاء من القلب والفكر. والأعصاب. وهذه الصفات مطبوعة بضميرك وبتصرفاتك مع الغير.. فأنت تهدي مؤلفاتك للأصدقاء والى أصدقاء الأصدقاء.. وللأصحاب والى أصحاب الأصحاب، وهي نتف من قلبك الحساس. ولا خير في قلب لا يمس وان قرعت طرقاته ابواب الآذان فانها لا تُسمع… وهذه المؤلفات ولدت بالمعاناة المريرة وهي البحث المضني وعلى ضوء نور العيون. سُطرت ومن ثم نفذتها المادة. والمادة تراب يُسهّل احتياجات التراب قبل ان يعود إلى التراب ومأساة البشر مهما سمت ارواحهم طالما هي سجينة التراب تظل تلهث وراء التراب!

وبالعودة إلى كتابك عن نور الهدى، فرغم أنوار الشهرة التي غمرتها ظلت روحها في ظلام! فكانت غريبة عن العالم الذي يحتويها بلحمها ودمها وهذه مأساة الأديبة
مي زيادة أيضاً، فأصحاب النبوغ دائماً تعساء كما قال جبران.

عزيري جان سالمه جعل الله شجرة عمرك مثمرة… ظليلة.. ومعمّرة… وطريقك نيّرة. بارك الله فيك يا اخي وبأمثالك القليلين والسلام.

*بيروت في 2 آذار 2016

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *