أبحثُ عنّي

Views: 18

 د. غادة السمروط

       أسمعُ أصداءَ صوتي تتردّدُ في الهواء، وجهي يبجث عن صورتِه في الأشجارِ وفي السّواقي، في عشبةٍ نبتَت في أذنِ صخرةٍ، وفي سنبلةٍ تتأمّلُ خيوطًا من شمس . أحسبُ أنّ الزّمنَ قد غيّرَ وجهتَه، وعادَ شطرَ الماضي يخطُّ دوائرَ حول البابِ الّذي طردَ الضّوءَ، وراح يتسامرُ مع ما جلس على الكرسيّ من ذكرياتٍ باقيةٍ فيه، ترفضُ أن تنضمَّ إليها ذكرياتٌ أُخَر.

       حولي، أغمارٌ من شمسٍ، سّماءُ تفيض بصيفٍ ينشرُ الصّمتَ على الكون. لا قصائدَ تكفي لرسمِ ما يدورُ أمامي. توقّف الزّمنُ، والدّهشةُ نصْبَ قامتِه.

       كيف لي أن أقطعَ سلسالَ الكلماتِ، أخشى أن يضيعَ اسمي، وأضيعَ أنا. لستُ أملكُ آلاتِ الكلام، ولا مفتاحَ عندي أضبطُها به. كلُّ ما أقدرُ عليه الآن، أن أعودَ إلى الكرسيّ وأصغيَ إلى الذّكرياتِ تسيلُ إلى مسمعي، وأنتظرَ.

      لكنْ أنتظرُ ماذا؟ هل يعاودُ الوقتُ سيْرَه، وهل يحملُني إليَّ ؟ 

      يجثمُ صمتٌ على أغصانِ المستقبل، هل سيعودُ الوقتُ نتفًا كما بدأ، وهل سيعود المكان حفناتٍ متناثرةٍ من تراب؟

     لا يتوقّف الوقتُ إلّا في الغياب، ولا يغيبُ المكانُ إلّا عندما نغيب .  

     سأبقى في الحضور، وسيحملُني الوقتُ إليَّ. لكن عندها لن أعرفَني، وربّما لن أجدَني. فأنا الآن لا أعرفُني، فقط أسمعُني، وما زلتُ أبحثُ عنّي، عن صورةِ وجهي!!

(https://ctlsites.uga.edu)

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *