الفلسفة المعادلاتية وتحليل المعنى

Views: 557

 حسن عجمي

     تُعرِّف الفلسفة المعادلاتية المعنى على أنه معادلة رياضية على النحو التالي: المعنى = ظروف النطق × قِيَم الصدق. هذا يعني أنَّ المعنى يساوي ظروف النطق مضروبة رياضياً بقِيَم الصدق. تملك معادلة المعنى فضائل متنوّعة تدلّ على صدقها منها فضيلة التوحيد بين نظريات المعنى المتنافسة وحلّ الخلاف فيما بينها. 

     تنقسم المذاهب الفلسفية حيال تحليل المعنى إلى مذهب واقعي يُحلِّل المعنى من خلال قِيَم الصدق المرتبطة بالواقع ومذهب لاواقعي (ليس بالمعنى السلبي) يُحلِّل المعنى من خلال ظروف النطق المرتبطة بالقدرات الإنسانية على تبرير النطق بهذه العبارات أو تلك على ضوء السياق وكيفية استعمال المصطلحات والجُمَل أو على ضوء الأدلة التي تُبرِّر النطق بهذه العبارات أو تلك. مثل ذلك هو التالي: بالنسبة إلى المذهب الواقعي، عبارة “الثلج أبيض” تعني الثلج أبيض لأنَّ عبارة “الثلج أبيض” صادقة إذا وفقط إذا الثلج أبيض. وبذلك يُعرِّف المذهب الواقعي المعنى من خلال قِيَم الصدق التي تُحدِّد متى تكون العبارات صادقة أي مطابقة للواقع. لكن، بالنسبة إلى المذهب اللاواقعي، عبارة “الثلج أبيض” تعني الثلج أبيض لأنها تملك ظروف نطق تُبرِّر النطق بعبارة “الثلج أبيض” متى مثلاً أدركنا أنَّ الثلج أبيض. من هنا، المذهب الواقعي يُحلِّل المعاني من خلال ما هو صادق أي على أساس الواقع بينما المذهب اللاواقعي يُحلِّل المعاني من خلال قدرات إنسانية معيّنة كالقدرة على تبرير النطق بالمصطلحات أو العبارات. 

     لكن الفلسفة المعادلاتية تحلّ الخلاف بين المذهبيْن الواقعي واللاواقعي على النحو التالي: بما أنَّ، بالنسبة إلى معادلة المعنى، المعنى يساوي ظروف النطق مضروبة رياضياً بقِيَم الصدق، وعلماً بأنَّ المذهب الواقعي يحلِّل المعنى من خلال قِيَم الصدق بينما المذهب اللاواقعي يحلِّل المعنى من خلال ظروف النطق، إذن معادلة المعنى تُوحِّد بين المذهبيْن الواقعي واللاواقعي وبذلك تحلّ الخلاف الفلسفي بينهما. ولذلك تكتسب معادلة المعنى هذه الفضيلة الأساسية الكامنة في حلّ الخلاف الفلسفي ما يدلّ على نجاحها فصدقها. 

إدراك المعاني

     من فضائل معادلة المعنى أنها تنجح أيضاً في التعبير عن مقدرتنا الخاصة والفريدة على إدراك المعاني التي نستخدمها. فبما أنَّ المعنى = ظروف النطق × قِيَم الصدق، وظروف النطق هي التي تُبرِّر النطق بالعبارات أو الكلمات من خلال امتلاك أدلة أو براهين على تفضيل النطق بهذه العبارت أو تلك، وعلماً بأننا نملك قدرة فريدة على إدراك ما لدينا من أدلة أو براهين (لأنها أدلتنا وبراهيننا)، إذن نملك أيضاً قدرة خاصة وفريدة على فهم وإدراك المعاني التي نستعملها. هكذا تنجح معادلة المعنى في التعبير عن امتلاكنا لقدرة فريدة على فهم المعاني التي نستخدمها. وفي هذا النجاح دلالة على صدق معادلة المعنى ومقبوليتها. 

     من جهة أخرى، تتمكّن معادلة المعنى من التعبير عن أنَّ المعاني مرتبطة بالواقع ومُعبِّرة عنه. فبما أنَّ المعنى = ظروف النطق × قِيَم الصدق وبذلك المعاني مُحدَّدة من قِبَل قِيَم الصدق (كما هي مُحدَّدة من قِبَل ظروف النطق)، وعلماً بأنَّ قِيَم الصدق هي الوقائع التي بفضلها تكون العبارات إما صادقة وإما كاذبة، إذن المعاني مُحدَّدة من قِبَل الواقع ولذلك المعاني مُعبِّرة عن الواقع ومرتبطة به بالضرورة. من هنا، تنجح معادلة المعنى في التعبير عن أنَّ المعاني مرتبطة بالواقع ومُعبِّرة عنه ونجاحها دليل صدقها. 

     بالإضافة إلى ذلك، تنجح معادلة المعنى في تفسير لماذا العبارات الخالية من معان ٍ كعبارة “العدد سبعة متزوج” هي فعلاً بلا معان ٍ. إن كان المعنى = ظروف النطق × قِيَم الصدق فحينئذٍ العبارات التي لا تملك ظروف نطق ولا قِيَم صدق خالية من المعاني تماماً كعبارة “العدد سبعة متزوج” الخالية من أي معنى لكونها غير حائزة على ظروف نطق (تبرِّر النطق بها فلا يُقال عن الأعداد أنها متزوجة أو غير متزوجة) وغير حائزة على قِيَم صدق (فليست صادقة ولا كاذبة علماً بأنَّ الأعداد لا تكون متزوجة أو غير متزوجة). هكذا تنجح معادلة المعنى في التعبير عن لماذا العبارات الخالية من المعاني هي فعلاً فاقدة لأي معنى كعبارة “العدد سبعة متزوج”. أما عبارة “الثلج أبيض” فذات معنى لأنها مالكة لظروف نطق وقِيَم صدق. فمِن المُبرَّر النطق بعبارة “الثلج أبيض” متى أدركنا أنَّ الثلج أبيض كما أنَّ عبارة “الثلج أبيض” صادقة متى كان الثلج أبيض وبذلك تمتلك عبارة “الثلج أبيض” قِيَم صدق تماماً كما تملك ظروف نطق ما يجعلها ذات معنى بالنسبة إلى معادلة المعنى التي تُحلِّل المعاني من خلال قِيَم الصدق وظروف النطق في آن. من هنا، تنجح معادلة المعنى في التمييز بين العبارات المالكة لمعان ٍ والعبارات الخالية من معان ٍ وتُفسِّر لماذا العبارات المالكة لمعان ٍ هي حقاً حائزة على معان ٍ بينما العبارات الخالية من معان ٍ هي فعلاً بلا معان ٍ. وهذا النجاح يدلّ على صدق معادلة المعنى. 

كلمات الترحيب والأوامر والأسئلة

     تنجح أيضاً معادلة المعنى في التعبير عن لماذا كلمات الترحيب والأوامر والأسئلة حاوية على معان ٍ رغم أنها لا تملك قِيَم صدق ولماذا بعض العبارات الخالية من ظروف نطق مالكة لمعان ٍ بفضل امتلاكها لقِيَم صدق كالعبارات العلمية التي لم تُكتشَف بعد. بما أنَّ المعنى يساوي ظروف النطق مضروبة رياضياً بقِيَم الصدق، إذن للعبارات معان ٍ إما من خلال ظروف النطق وإما من خلال قِيَم الصدق وإما من خلال ظروف النطق وقِيَم الصدق معاً. من هنا، تنقسم العبارات ذات المعاني إلى ثلاثة أقسام فإما أنها ذات معان ٍ بفضل ظروف النطق فقط كالأوامر والأسئلة وكلمات الترحيب وإما أنها ذات معان ٍ بفضل قِيَم الصدق فقط كالعبارات العلمية التي لم تُكتشَف بعد وإما أنها مالكة لمعان ٍ بفضل ظروف النطق وقِيَم الصدق معاً كعبارة “الثلج أبيض” المالكة لظروف نطق وقِيَم صدق في آن. هكذا تتضمن معادلة المعنى أنَّ كيفية تحديد المعاني متنوّعة ومختلفة. وبذلك تنجح معادلة المعنى في التعبير عن تنوّع آليات اكتساب المعاني. 

     الأسئلة كسؤال “هل سوف تذهب إلى المدرسة؟” والأوامر كأمر “إذهب” وكلمات الترحيب ككلمة “مرحباً” ليست صادقة ولا كاذبة لأنَّ وظيفتها ليست كامنة في التعبير عن حقائق الواقع وبذلك لا قِيَم صدق لها. لكنها تملك ظروف نطق تُبرِّر النطق بها كظرف الترحيب الاجتماعي الذي يبرِّر النطق بكلمة “مرحباً”. وبما أنَّ، بالنسبة إلى معادلة المعنى، المعاني = ظروف النطق × قِيَم الصدق وبذلك المعاني مُعرَّفة من خلال ظروف النطق وقِيَم الصدق معاً فمُحدَّدة من خلالها، إذن من منظور هذه المعادلة لكلمات الترحيب وعبارات الأمر والأسئلة معان ٍ لكونها مالكة لظروف نطق. هكذا تنجح معادلة المعنى في التعبير عن أنَّ للأسئلة والأوامر وكلمات الترحيب معان ٍ. 

     من جهة أخرى، ثمة عبارات لا تملك ظروف نطق لكونها لم تُكتشَف كالعبارات العلمية التي لم نكتشفها. فبما أنَّ هذه العبارات لم تُكتشَف بعد، إذن لا يوجد ما يُبرِّر النطق بها وبذلك هي خالية من ظروف نطق. لكنها عبارات مالكة لقِيَم صدق فهي إما صادقة وإما كاذبة لكونها عبارات علمية. الآن، بما أنَّ المعنى = ظروف النطق × قِيَم الصدق وبذلك المعاني مُعرَّفة من قِبَل ظروف النطق وقِيَم الصدق معاً فمُحدَّدة من خلالها، إذن للعبارات العلمية التي لم تُكتشَف معان ٍ لامتلاكها لقِيَم صدق. هكذا تنجح معادلة المعنى في التعبير عن امتلاك بعض العبارات لمعان ٍ (كالعبارات العلمية غير المُكتشَفة) بفضل امتلاكها لقِيَم صدق رغم عدم امتلاكها لظروف نطق. 

     بما أنَّ معادلة المعنى تُحلِّل المعاني من خلال قِيَم الصدق وظروف النطق معاً، إذن تكتسب هذه المعادلة فضائل تحليل المعاني من خلال قِيَم الصدق وفضائل تحليل المعاني من خلال ظروف النطق وتتجنب الرذائل المعرفية التي تسجن المعاني فقط في قِيَم الصدق أو فقط في ظروف النطق. هكذا معادلة المعنى تُحرِّر المعاني بجعلها متنوّعة بتنوّع آليات تشكلّها إما من خلال قِيَم الصدق أو من خلال ظروف النطق أو من خلال قِيَم الصدق وظروف النطق في آن. وبذلك معادلة المعنى معادلة تحرير المعاني. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *