الفلسفة المعادلاتية والأخلاق والعقلانية

Views: 602

حسن عجمي

   بالنسبة إلى الفلسفة المعادلاتية، الأخلاق معادلة رياضية مُعرَّفة من خلال كل السلوكيات العقلانية الممكنة المُتضمِنة لاتباع المبادىء العالمية وإفادة الذات والآخرين. معادلة الأخلاق هي التالية: الأخلاق = كل السلوكيات العقلانية الممكنة ÷ السلوكيات اللاعقلانية (أي الأخلاق تساوي كل السلوكيات العقلانية الممكنة مقسومة رياضياً على السلوكيات اللاعقلانية) ما يتضمن أنَّ الأخلاق = إفادة الذات × إفادة الآخرين × اتباع المبادىء العالمية (أي الأخلاق تساوي إفادة الذات مضروبة رياضياً بإفادة الآخرين المضروبة رياضياً باتباع المبادىء العالمية). تملك معادلة الأخلاق فضائل عديدة منها التوحيد بين المذاهب الأخلاقية المختلفة والمتنافسة وحلّ الخلاف فيما بينها.

   إن كانت الأخلاق = كل السلوكيات العقلانية الممكنة ÷ السلوكيات اللاعقلانية، وعلماً بأنه من العقلاني أن نفيد أنفسنا والآخرين وأن نتبع المبادىء العالمية المُتفَق عليها من قِبَل جميع البشر كأن لا تقتل ولا تسرق (و إلا كانت أفعالنا بلا فوائد فبلا مُبرِّر لوجودها فغير عقلانية)، إذن الأخلاق = إفادة الذات × إفادة الآخرين × اتباع المبادىء العالمية. من هنا، تشكِّل هاتان المعادلتان الأولى والثانية معادلة واحدة لا تتجزأ.

   ثمة مذاهب أخلاقية مختلفة ومتصارعة منها المذهب القائل بأنَّ الأخلاق كامنة في إفادة الذات فقط فإن استفاد الفرد استفاد كل المجتمع ومنها أنَّ الأخلاق كامنة في إفادة الآخرين فقط فإن لم يستفد الآخر كان الفرد أنانياً فغير أخلاقي ومنها أنَّ الأخلاق قائمة فقط على اتباع المبادىء العالمية المشتركة بين الجميع كأن لا تقتل ولا تسرق لأنه مُجمَع عالمياً على أخلاقيتها كما لا نريد من أحد أن يقتلنا أو يسرقنا. لكن معادلة الأخلاق تتضمن هذه المذاهب الأخلاقية المختلفة والمتنافسة لأنها تعتبر أنَّ الأخلاق = إفادة الذات × إفادة الآخرين × اتباع المبادىء العالمية. وبذلك تُوحِّد معادلة الأخلاق بين هذه المذاهب الأخلاقية فتحلّ الخلاف في ما بينها ما يجعلها تكتسب هذه الفضيلة الكبرى وما يدلّ بدوره على صدق هذه المعادلة وتفوّقها.

 

المبادئ العالمية

   إن كانت الأخلاق كامنة فقط في إفادة الذات فحينها سوف يعمل كل فرد على تحقيق مصالحه دون مصالح الآخرين أو دون مصالح المجتمع وبذلك نفقد الأخلاق. وإن كانت الأخلاق كامنة فقط في إفادة الآخرين فحينها قد لا نفيد ذواتنا وهذا غير أخلاقي أو قد نضحِّي حينها بفردٍ إن كان هذا يفيد معظم الآخرين وهذا لا أخلاقي أيضاً. وإن كانت الأخلاق قائمة فقط على اتباع المبادىء العالمية المُتفَق عليها فمن الممكن أن يُسبِّب ذلك عدم إفادة الذات أو الآخرين أو الذات والآخرين معاً (فاتباع المبادىء العالمية فقط كأن لا تقتل ولا تسرق لا يفيد بالضرورة الفقراء أو المشرّدين أو الجاهلين إلخ فلا يتطوّر المجتمع) وهذا لا أخلاقي أيضاً فالأخلاق تكمن في تطوير الفرد والمجتمع (فإن لم توجد آليات تطوير الأفراد والمجتمعات لتمّ سجن الفرد والمجتمع فيما هما عليه في الحاضر أو الماضي وهذا غير أخلاقي بالطبع). من هنا، لا بدّ من تحليل الأخلاق من خلال إفادة الذات والآخرين واتباع المبادىء العالمية في آن تماماً كما تفعل معادلة الأخلاق القائلة بأنَّ الأخلاق = إفادة الذات × إفادة الآخرين × اتباع المبادىء العالمية ما يدلّ على نجاح هذه المعادلة فصدقها. 

   تنجح معادلة الأخلاق أيضاً في التعبير عن أنَّ الأخلاق مسألة درجات كما تنجح في ضمان تطوير الأخلاق. فبما أنَّ الأخلاق = كل السلوكيات العقلانية الممكنة ÷ السلوكيات اللاعقلانية وبذلك الأخلاق = إفادة الذات × إفادة الآخرين × اتباع المبادىء العالمية، وعلماً بأنه من الممكن للسلوكيات العقلانية أن تزداد أو تتناقص كما من الممكن لاتباع المبادىء العالمية وإفادة الذات والآخرين أن تزداد أو تتناقص، إذن من الممكن أيضاً أن تزداد أخلاق الفرد أو تتناقص. هكذا تنجح معادلة الأخلاق في التعبير عن أنَّ الأخلاق مسألة درجات. كما بما أنه من الممكن دوماً تطوير إفادة الذات والآخرين وتطوير المبادىء العالمية، إذن، بالنسبة إلى معادلة الأخلاق، من الممكن تطوير الأخلاق باستمرار لأنَّ الأخلاق ليست سوى كل السلوكيات العقلانية الممكنة الكامنة في إفادة الذات والآخرين واتباع المبادىء العالمية. من هنا، تنجح معادلة الأخلاق في التعبير عن إمكانية تطوير الأخلاق وتضمن تطويرها بتطوير السلوكيات العقلانية وتطوير إفادة الذات والآخرين والمبادئ العالمية من خلال تطوير مضامينها وإنتاج سلوكيات عقلانية ومبادىء عالمية جديدة.

 

السلوكيات العقلانية واللاعقلانية

   من جهة أخرى، بما أنَّ الأخلاق = كل السلوكيات العقلانية الممكنة ÷ السلوكيات اللاعقلانية، ومن السلوكيات العقلانية اكتساب المعارف والعلوم والمشاركة في إنتاجها، إذن من الأخلاقي أن نحصل على المعارف والعلوم ونشارك في إنتاجها. من هنا، تنجح معادلة الأخلاق في التعبير عن ضرورة اكتساب العلوم والمعارف والمشاركة في بنائها لكي نكون أخلاقيين. وفي هذا النجاح فضيلة أساسية أخرى لمعادلة الأخلاق. بلا حصول على معارف وعلوم والمشاركة في صياغتها لا نتطوّر ولا يتطوّر الآخرون وبهذا نخسر الأخلاق الكامنة بالضرورة في تطوير أنفسنا والآخرين. فالذي لا يتطوّر سجين الحاضر والماضي وهذا غير أخلاقي. ولا نتطوّر سوى بالمشاركة في الميادين المعرفية والفنية والثقافية كافة من خلال الإنتاج المعرفي والفني والثقافي. وبذلك لا نكون أخلاقيين سوى بالحصول على المعارف والمشاركة في الإبداع المعرفي أو العلمي أو الثقافي والاستمتاع بالفنون وإنتاجها إن أمكن.

   من المنطلق نفسه، إن كانت الأخلاق = كل السلوكيات العقلانية الممكنة ÷ السلوكيات اللاعقلانية، وعلماً بأنَّ سيادة العدالة وما تتضمن من احترام للمساواة والحريات والحقوق الإنسانية من السلوكيات العقلانية الجوهرية فبلا عدالة تَسُود الاضطرابات والفِتَن والحروب وفي هذا لا عقلانية واضحة، فحينئذٍ لا بدّ من تحقيق العدالة المتمثلة باحترام الحقوق الإنسانية كالحريات والمساواة بين الجميع لكي نكون أخلاقيين. هكذا تنجح معادلة الأخلاق في التعبير عن ضرورة وجود العدالة (كاحترامٍ للحقوق الإنسانية والحريات والمساواة) لكي تتحقق الأخلاق. وهذا النجاح دليل على صدق معادلة الأخلاق ومصداقيتها.

   أما العقلانية فهي معادلة رياضية أيضاً ألا وهي التالية : العقلانية = الانسجام واتباع مبادىء المنطق × الإفادة النظرية والعملية. فإن كانت معتقداتنا غير منسجمة فيما بينها فحينئذٍ نصبح غير عقلانيين من جراء تناقض معتقداتنا. وإن كنا لا نتبع مبادىء المنطق والتفكير السليم كأن نقع في الدور المرفوض منطقياً كتحليل الماء بالماء فحينئذٍ أيضاً نمسي غير عقلانيين لأنَّ معارضة مبادىء المنطق تؤدي لا محالة إلى امتلاكنا لمعتقدات فارغة من محتوى أو كاذبة. من هنا، لا بدّ من تحليل العقلانية من خلال انسجام معتقداتنا واتباع مبادىء المنطق المتضمنة لمبادىء التفكير السليم تماماً كما تفعل معادلة العقلانية بقولها إنَّ العقلانية = الانسجام واتباع مبادىء المنطق × الإفادة النظرية والعملية. وبذلك تكتسب معادلة العقلانية فضيلة التعبير عن ضرورة وجود الانسجام الفكري واتباع مبادىء المنطق والتفكير السليم لكي تتحقق العقلانية ما يدلّ على صدقها.

 

تحليل العقلانية

   بالإضافة إلى ذلك، إن لم تكن معتقداتنا وأفعالنا مفيدة لنا وللآخرين نظرياً وعملياً (كأن تكون معتقداتنا ناجحة في وصف وتفسير الظواهر وحلّ الإشكاليات الفكرية النظرية والعملية وكأن تكون معتقداتنا وأفعالنا ناجحة في إبقائنا أحياء وناجحين اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وناجحة في تطويرنا وتطوير الآخرين) فلن نكون عقلانيين لأنَّ حينها لا فائدة لمعتقداتنا وأفعالنا فلا داع ٍ ولا ضرورة لوجودها. من هنا، لا بدّ من تحليل العقلانية أيضاً من خلال الإفادة النظرية والعملية تماماً كما تفعل معادلة العقلانية بقولها إنَّ العقلانية = الانسجام واتباع مبادىء المنطق × الإفادة النظرية والعملية. وبذلك تكتسب معادلة العقلانية هذه الفضيلة الأخرى الكامنة في التعبير عن ضرورة وجود الإفادة النظرية والعملية لكي تتحقق العقلانية ما يشير إلى صدق معادلة العقلانية ومقبوليتها.

   كما تنجح معادلة العقلانية في التعبير عن أنَّ العقلانية مسألة درجات ما يمكّننا من تطويرها باستمرار وبذلك تكتسب هذه المعادلة هذه الفضيلة الكبرى. فبما أنَّ العقلانية = الانسجام واتباع مبادىء المنطق × الإفادة النظرية والعملية، وعلماً بأنه من الممكن أن يزداد أو يتناقص الانسجام الفكري واتباع مبادىء المنطق كما من الممكن أن تزداد أو تتناقص الإفادة النظرية والعملية، إذن من الممكن أن تزداد أو تتناقص العقلانية. هكذا تتمكّن معادلة العقلانية من التعبير عن أنَّ العقلانية مسألة درجات قد تزداد أو تتناقص. وبما أنَّ العقلانية مسألة درجات، إذن من الممكن دوماً تطويرها بتطوير اتباع المنطق والتفكير السليم وتطوير الإفادة النظرية والعملية. من هنا، تنجح أيضاً معادلة العقلانية في التعبير عن إمكانية تطوير العقلانية وتضمنها.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *