سجلوا عندكم

Pardon جورج

Views: 310

خليل الخوري 

 

دَهتني صروفُ الدَهرِ وانتَشَبَ الغدرُ

ومن ذا الّذي في الناسِ يَصفو لهُ الدَهرُ 

                                               (عنترة)

تواصل جائحةُ كورونا مسارَها فتُطاول أقرباءَ وأنسباءَ وأحبّاء، فتغدرُ بهم واحداً تلوَ الآخر ومنهم من تُقدّر له ومنهم من تصرعُه… وآخرهم الزميل العزيز رفيق العمر والزمن الجميل وحلو الأيام ومرّها جورج بشير الذي غادرَنا بعد مشوار طويل في مهنة المتاعب، التي أتعبَها ولم تُتعبهُ، فحقّق فيها الكثير من الإنجاز والسَبق.

عرفتُ جورج منذ أواخر ستينات القرن الماضي، وكان سبقَني، ببضع سنوات، إلى الإنضواء تحت لواء الصحافة.

كان جورج، رحمه الله، البسمة الدائمة في مجالسنا، منذ أوّل قاعة للإعلاميين في لبنان خصّهم بها رئيس الجمهورية المرحوم سليمان فرنجية في قصر بعبدا. يومها كانت العلاقة بين جنود صاحبة الجلالة، كما نُسمّي الصحافة، محكومةً بروح الزمالة الحقيقيّة، وبالإحترام المتبادَل، بالرغم من الإختلاف في وجهات النظر… والتلاقي بعد يوم المتاعب الطويل، فيستقبلنا نادٍ ليلي أو أحد تلك المطاعم التي تصلُ ليل بيروت، منارة الشرق، بنهارها.

توثّقت الصلات بيننا وتخطّت الأصدقاء إلى العائلات وكان ركنها الثالث الأخ الحبيب فيليب أبي عقل أمدّ الله في عمره. وقد اتّصل بي الإثنان إلى دبي، ذات يوم، وكنتُ أصدرتُ فيها جريدة البيان اليومية الرائدة وأبلغاني رسالة عاجلة من الرئيس الشهيد المرحوم بشير الجميّل، فعدتُ على عجل إلى بيروت… وتلك حكايةٌ ثانية. وعندما أقمتُ في لندن، زارني فيليب وجورج وأقمنا معاً في بيتي بضعة أسابيع مُجدِّدين صداقةً كانت قد قطعتها الحروب التي شُنَّت على لبنان. وقبلاً كُنّا نستظلّ سقفاً واحداً في حرب المئة يوم على الأشرفية التي انتهت بإنسحاب الجيش السوري من “المناطق الشرقية”.

جورج الصحافي الكبير والمُحدِّث اللبق ومُنشئ مؤسسة طبية إستشفائية لغير المتمكّنين، صديق المُبرّزين في السياسة والمال والأعمال والإعلام، صاحب أوسع الإتّصالات مع لبنان المُنتشر في الزوايا الأربع من المعمورة، المُقرِّب بين المُتباعدين، مُقيم السلام بين المُتخاصمين… كان أنيق الحضور والكلام والزي، لمّاعاً، مُحافظاً على كلمة Pardon إستئذاناً لقطع حديث قبل أن يُدلي بمداخلته. ولعلّي أسمعه يقولها من حيث هو الآن في دنيا الخلود إعتذاراً من نجليه الكريمين وسائر الأصدقاء والمُحبّين لأنه غادرَنا من دون إستئذان.

أما أنا فأردّدها قائلاً: Pardon يا جورج لأنّ الكلام عنك وفيك يطول أما المجال فقصير.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *