لا تسألي عن اسمِ الشّجرة

Views: 124

د. غادة السمروط

الفجرُ صديقيَ الحميم؛ أنهضُ من رقادي،أراهُ يخلعُ مخدّةَ الليل، يفتحُ بابَ النّهار، ويرسمُ الطّريق. ألوذُ بفرحٍ صامتٍ يسكنُني، كلُّ أصواتِ الحياة تنسجُ فيَّ صداها. أخالُني في كلِّ مكانٍ، في آن: أغنيةً تهبطُ من طائر، عبيرًا يعبرُ ما بين النّسمة والنّسمة، شعاعًا يبتلّ في الماء. وأراني كلمةً تختزلُ كلَّ الكلمات.

      وأروحُ قبل الشّروق، أفيضُ بالسّلال والغلال، أغرقُ في سعيٍ إلى الحياة. أراني شجرةً بين أشجارٍ توغلُ في الصّمت، أتفيّأُ ما غضّ منها وأظلم، وأُطرِقُ في التّفكير، وتضيعُ منّي البهجة.

     مُذْ أُصِبْتُ بالحياة، وأنا أبحثُ عنّي في سِفْرِ الرّيح، في عالمٍ يهيمُ فيه الصّوتُ على وجهه. أنظرُ إلى السّماءِ فأراها ترتدي قناعًا من زرقةٍ ساخرة، ألوّنُه ببعضِ شعرٍ، فيُشرقُ ليلٌ ويزغردُ نهار. العالمُ فسيحٌ لا خيالَ يرسمُه. أتأمّلُه، والدّهشةُ تكتبُني سَفَرًا:

    هل يفكّرُ الكونُ العظيمُ بي، أم أنا بِمَحْدوديّتي، أراني آتيهِ بالخيال وأعوّلُ عليه الآمال؟ هل يشعرُ بشقائي، أم أنّني حبّةُ رملٍ تضيعُ في هبوبِ العواصف؟ لماذا يثيرُ فيَّ السّؤالَ ويبخلُ بكلمةٍ واحدةٍ يرسو عندها الجواب؟

       تعبْتُ من الأسئلةِ تتوالدُ فيَّ، تأخذُني إلى هاويةٍ أغرقُ فيها، لا قاربَ نجاةٍ يُنقذُني، ولا خيطًا أمسِكُ به. أتوهُ في ظلمةٍ تمحوني نورًا، أتبعثرُ في حيرةٍ تنثرُني رشدًا. وأعودُ إلى الأشجار، أنصتُ إلى همسِها يقول: عودي إلى الهنا والآن، تَظلّلي الأفياء، ولا تسألي عن اسمِ الشّجرة ! عودي للفجر وانطلقي، لا التّعبُ يُسدلُ معطفَه، لا الكونُ يبدّلُ موقفَه، ولا الزّمنُ يخونُ عقاربَه !! (lakeforestgc.com)

Comments: 2

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. وتحسب أنك جـِرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.

    «هل يفكّرُ الكونُ العظيمُ بي، أم أنا بِمَحْدوديّتي، أراني آتيهِ بالخيال وأعوّلُ عليه الآمال»
    أكثر من رائع دكتورة غادة ♡