الكبير أبو إلياس (1)

Views: 731

خليل الخوري 

 

بغياب ميشال المر، رحمه الله، يفقد لبنان واحداً من شخصيّاته ورموزه الكبيرة التي لعبت دوراً، بل أدواراً سياسية مهمّة، قُيّض لي أن أطّلع عليها عن كثب ومباشرةً في إحدى أكثر المراحل دقّةً في تاريخ لبنان…

عرفت الراحل الكبير معرفةً وثيقة وأشهد، ولله الشهادة، أنه كان لبنانياً حتى العظم، مؤمناً بهذا الوطن، وحتى السياسات التي انتهجها كانت تنطلق من اقتناعه بأنه يخدم وطنه من خلالها، حتى ولو عارضه الكثيرون في ذلك. وكان صاحب القرار الجريء والموقف الحاسم، ما جعله عرضةً لمآخذ حادة من البعض، وللتقدير والإعجاب من الكثيرين، وهو الذي لم يكن يُضمر الحقد أو الضغينة لأحد.

لقد رافقت الفقيد الكبير في مطلع التسعينات، بينما علاقتي به تعود به إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي إثر استقالتي من رئاسة تحرير «الأسبوع العربي»، فتلقّيت اتصالاً منه، من دون سابق معرفة، وكان الاتفاق على إصدار جريدة «الجمهورية» لنجله الشاب (الرئيس لاحقاً) الشيخ إلياس المر. وقد انطلقت الصحيفة كالصاروخ قبل أن تسقط بضربةٍ قاضية في 16 كانون الثاني 1986 في خضم الصراع العسكري الدموي بين إخوة السلاح في ما كان يُعرف بـ»المنطقة الشرقية».

في وزارة الدفاع، التي أُسندت إليه حقيبتها في مطلع التسعينات، كان ميشال المر الوزير الوحيد الذي مارس دوره الوزاري رسمياً وعملياً. لم يكن وزيراً شكلياً في هذه الوزارة كما هو معروف عن معظم الوزراء الذين تعاقبوا عليها منذ تأسيسها.

كانت المهمّة صعبة بل شبه مستحيلة، إذ الجيش مُشرذم، والمتاريس والحواجز تقسم البلد والمناطق وحتى البلدة الواحدة. ونجح، بالتعاون مع القائد العماد إميل لحود في عملية دمج الألوية وإعادة توحيد الجيش. وكان لي دورٌ فعّال في إنهاء القطيعة بينه وبين القائد الذي أطلق عليّ لقب الوسيط الدولي «برنادوت»، فقلت له: «على أمل ألا ألقى مصيره». وتلك أيضاً حكايةٌ ثانية.

ومن أهم مواقفه في تلك الحقبة، عدم التعرّض إلى الضباط الموالين للعماد ميشال عون الذي كان قد نُفي إلى فرنسا، بل بات معظمهم من أصدقائه المقرّبين، وإصراره على تخريج طلاب المدرسة الحربية الذين كانوا في أكثريتهم العُظمى مسيحيين، بسبب صعوبة وصول الآخرين إلى مقر المدرسة الحربية، جراء الأحداث الأليمة في لبنان آنذاك، وهي مسألةٌ لا تزال تُجرجر حتى اليوم.

 كان ميشال المر شجاعاً في اتّخاذ المواقف والتمسّك بها. وأذكر أنه (في الدفاع أو في الداخلية) كان إذا اتّخذ قراراً واعترض عليه مسؤولٌ ذو صلاحية، فإنه كان يُصرّ عليه. وإذا تكرّر الاعتراض، كان يُسجّل «مع التأكيد وعلى مسؤوليتي».

وعندما تسلّم حقيبة الداخلية، أقام «لقاء الأربعاء» الذي كان يجمع فيه ما لا يقلّ عن 60 نائباً، فيتناقش وإياهم في التطوّرات والمستجدّات ويعرض عليهم الوقائع و… التوجيهات.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *