مواجهة الرأي بالرصاص

Views: 557

خليل الخوري

أن يكون المغدور لقمان سْليم حاملاً السلم بالعرض، داخل بيئته، فهذا ليس بالأمر الجديد على بيتهم. كان والده المرحوم محسن سْليم يحمل أيضاً السلم بالعرض، ولكن في ظروفٍ أقل حدّة مما هي عليه اليوم. فالوالد كان محامياً مشهوراً، ذا احترامٍ وتقدير تخطّيا لبنان والإقليم إلى المدار العالمي… وكثيراً ما كان يتميّز باستقلاليته عن الانقسامات والصراعات داخل المذهب فالطائفة فالوطن. وفي بداياتي، عقدت حواراتٍ عديدة معه، ولا يزال صوته يرنّ في أذني بالبحّة الشهيرة.

يبدو أن المرحوم لقمان ورِث عن والده الشجاعة في معارضة واقع الحال والمألوف… إلا أنه ذلك الزمان كان أكثر رحمةً وأشد رأفةً من زماننا الرديء.

من اغتال لقمان سْليم؟ لا نملك جواباً. فهذا من شأن التحقيقات والأيام أن تكشفه خارج التخمينات. إلا أن عملية الاغتيال هي، في حد ذاتها، جريمةٌ شنعاء مرفوضة بالمعايير كلها والمفاهيم كلها والمقاييس كلها، وليس لها أي ذرّةٍ من التبرير.

طبعاً لم يغتالوا هذا الناشط المميّز لأن شكله لم يُعجب القَتَلة المُنفّذين ومَن وراءهم، إنما قتلوه لأنه كان يُزعج. وربما لأن الإزعاج وحده لا يكفي، فقد كان ذا تأثيرٍ في ما يتّخذ من مواقف. ولو لم تكن مواقفه غير مُؤثرة وفاعلة، لما كانوا ليهتموا بشأنه.

نقول هذا مع العلم أننا، بصفةٍ شخصية، نعترض على الكثير من تلك المواقف وليس فقط أننا لا نُجاريه فيها، بل إننا نُعارضها بقوة، ومع ذلك فنحن نرفض ونُعارض بقوة أكبر مواجهة الرأي الحر بالرصاص الغاشم.

وإذ نقول إننا لا نتّهم أحداً، فإننا لا نملك، أيضاً، أن نُبرر أحداً. فقط نودّ أن نقول بضرورة أن يتسلّم القضاء هذا الملف، ليس لطيّه ووضعه في الأدراج، إنما لمتابعته دونما توقّف، ولتفعيله، إلى أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود فيه.

من الطبيعي أن تكثُر ردود الفعل على هذا الاغتيال – الجريمة. ونحن نرى أن الرد الأول والأخير يجب أن يكون في المضي في التحقيقات إلى آخر مدىً، سواء ما كان منها تحقيقاً أمنياً أم تحقيقاً قضائياً. وأن تظلّ هذه الجريمة في الواجهة والاذهان دلالةً على أن الرأي يجب ألا يُواجه إلا بالقانون، إذا ما كان ثمّة ما يستوجب ذلك قانونياً.

كتبنا أمس هنا بالذات، تحت عنون «جرس إنذار»، أن هناك دلائل ومؤشرات على أن الانفلات الأمني قد يتفاقم. نأمل ألا نكون على أبواب فوضى أمنية، إن لم نكن في وسطها… وعندئذ، فعلاً، لا يعود ينفع الندم.

رحماك اللهم بلبنان وشعبه.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *