القِلّة والنقار… وبالعكس

Views: 3

خليل الخوري 

في تقاليدنا اللبنانية مثَلٌ مَوروث يقول: «القِلّة تُولِّد النقار». الواقع أنّ الآية معكوسة هذه المرّة فالنقار هو الذي يولِّد القِلّة. فكم بالحري إذا تجاوز ما بين حماة وكنّة وجار وجار ليُصبح، كما نرى، متاريس متقابِلة نخشى ألا تبقى وقفاً على الكلمة الساقطة والجارِحة بل أن تفلت الأمور من أي سيطرة لتُصيح صراعاً أمنياً مكشوفاً. وهناك كثر جاهزون لتلقّف الصراع وتأجيجه لنصل إلى ما حذّر منه أمس نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي داعياً إلى الأخذ بمبادرة الرئيس نبيه برّي.

أكثر ما يدعو إلى الأسف، في هذه المرحلة، غياب أي جهة يمكنها أن تكون مقبولةً من طرفي النزاع وتكون لها حيثيّتها وصدقيّتها لتتولّى، إن لم يكن رأب الصدع، فعلى الأقلّ وقف الخطاب العنيف المُتبادَل ومن ثمّ تطلع بإقتراح «حلّ وسط» يُشكّل مدخلاً لما يجب أن تكون عليه المرحلة من بندٍ أوّل هو تأليف الحكومة التي أكثر ما يحتاج إليها لبنان في هذه المرحلة.

باتَ واضحاً أنّ التراجع غير وارد لدى أيّ من بيت الوسط وبعبدا، فالرئيس سعد الحريري وضع خطاً أحمر أمام الصيغة الحكومية التي يُريدها في الشكل (العدد) وفي المضمون (وزراء إختصاصيون ومستقلّون). والرئيس ميشال عون هو أيضاً ثابت ونهائي ولا يتراجع عن موقفه بالشراكة. ولهذين الموقفين نتيجة واحدة: لا سلطة تنفيذية في المدى المنظور فيما البلد في إنهيار يُنذر بالإنفجار على حدّ قول الفرزلي نفسه. فهل نبقى في هذا الـ»بلوكاج» المُدمِّر؟!.

سبق أن تحدّثنا، غير مرّة، عن القوّة الثالثة وهي مُفتقَدة في أيامنا، لأن غير المُنخرطين في الصراع يتفرّجون عليه وكلّ منهم يتمنّى لطرفيه أن يستمرّا في المعاناة. هذا بالنسبة إلى الكتل والأحزاب الفاعِلة وبالذات القوات اللبنانية والإشتراكي. وهما اللذان يملكان حيثيّة تُمكّنهما من الحراك الوفاقي، بينما الآخرون فلا حول لهم ولا طَول. أما حزب الله، وهو الأكثر قدرة فلن يتخلى عن حليفه التيار الوطني الحرّ، وإن كانت عينه على حكومة حريرية يكون معنياً بها وهو الذي عليه فيتو أميركي وخليجي. والشخصيات المُستقلّة الفاعلة غير موجودة، أو لم تعد موجودة لتُشكّل قوّة ثالثة على مثال ما كان ينعم به مجتمعنا السياسي، إذ كانت تنبري شخصيات (بيار إده، هنري فرعون، يوسف سالم، غسان تويني…) لهكذا مهمّات وطنيّة جليلة.

من أسفٍ ليس هذا وحده ما نفتقده من معالم الزمن الجميل.

(www.whitestallion.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *