رأفةً بهذا الشعب

Views: 14

خليل الخوري  

أقفل الدولار، في السوق السوداء، مساء أمس، على سعر راوح بين 9,330 و9,360 ليرة، وهو رقمٌ خرافي قياسي مع ما يرافقه من ارتفاع جنوني في أسعار السلع وأوّلها الضروريات، ما يعني أن من لم يُلامس، بعد، خط الفقر من اللبنانيين، فسيهبط إلى ما تحته أمام تفاقم الوضع المعيشي وانهيار الاقتصاد وجمود الانتاج في القطاعَين العام والخاص في آنٍ معاً.

يتوافق هذا المشهد البشع مع تفاقم جائحة كورونا ودخول فيروسها اللعين كل منزلٍ تقريباً كما بات معروفاً. والغريب أن هذا الشعب، الذي يئن من الجوع، والذي كلما داوى جرحاً سالت جراح، لا يزال مُعانداً صابراً، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على قدرة اللبناني على مواجهة الصعاب، فيُقاتلها ولو باللحم الحيّ.

إن شعبنا مشهودٌ له، على عكس حكّامه وقيادييه، بالكفاح والقدرة على التغلّب على الأزمات. والدليل الأبرز أن مجتمعنا المدني، بقطاعه الخاص، هو الذي بنى ازدهاراً لم يلبث أهل السياسة أن «نجحوا» (وأي نجاح!) في هدمه وإسقاطه ليس فقط في الإدارة الرسمية وإنما أيضاً في مختلف القطاعات التي أُنشئت بالتصميم والعناد والمثابرة والبراعة… حتى وصلنا، ما قبل هذه الأزمات المتناسلة، إلى أن تتمكّن صناعتنا اللبنانية من المنافسة الحقيقية والفعلية خصوصاً في صناعة الحلي والجواهر، وبالذات السلع المكوّنة من الماس والذهب والأحجار الكريمة وشبه الكريمة التي نستوردها مادةً خاماً ونُعيد تصديرها إلى أرقى الأسواق العالمية في سويسرا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وبلدان الخليج العربية. ويُمكن تعداد السلع الأُخرى مثل إنتاج البلاستيك وسواه…

حرام أن يجد هذا الشعب الحيّ المناضل ذاته في دوّامة أزماتٍ ليس له أي يدٍ في حدوثها، لأنها نتيجة حتمية لفشل المسؤولين في إدارة الشؤون الوطنية والسياسية العامة كون الكثير من القيادات غارقاً في مصالحه الذاتية والآنيّة على حساب الوطن.

ولعل أكثر ما يُثير القلق، طبعاً بعد الريبة، تلك الحساسيات الطائفية والمذهبية التي أخذت تتفاعل بين الناس. ومن يتسنّى له أن يُتابع مواقع التواصل الاجتماعي، يصدمه ما يراه من المحازبين والأتباع من كلامٍ جارح وعنتريات وتهديدات وتلويح بأسوأ الأسوأ.

إنه زمنٌ ما كان يخطر لنا، ولو في أكثر الكوابيس بشاعةً، أن نصل إليه فإذا المقوّمات كلّها مفقودة وفي طليعتها الميّزة الأخلاقية، بعد هذا التحريض الذي تقوده وتوجّهه جماعة السياسة في السر والعلانية.

(https://igppc.com/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *