الخطأ والصواب

Views: 659

خليل الخوري

يفتقرُ لبنان منذ سنوات الى الحكماء. هذا واقعٌ قائمٌ وهذه حقيقةٌ صارخة. من أسفٍ أن أولئك «العقّال» قد زالوا منذ أن هيمَنت إفرازات الحرب على الحكم.

كان في هذا البلد مجموعة من رجال العقل والحكمة والوطنية والمبادرة. كانوا يتحرّكون بين الأطراف كافة إما لاستباق حدثٍ أو تطورّ ما، وإما لتطويقه والتخفيف من تداعياته. بين  هؤلاء، بل في طليعتهم، تقي الدين الصلح وهنري فرعون ويوسف سالم وقبلان عيسى الخوري والشيخ بطرس الخوري وسواهم من أصحاب الكلمة المسموعة، لأنهم لم يكونوا ينطلقون من هوى أو ينطقون عن مصلحة أو ينبثق حراكهم من أهداف آنية شخصية… إنما كانت مصلحة الوطن العليا هي ما يوجّه خطواتهم ويُلهم أداءهم الذي قلّما وُسِم بعيب.

وكان البعض من كبار رجالات الوطن يشكّلون ما يُعرف بـ»القوة  الثالثة» التي يتنقّل أركانها بين القوى المتصارعة مقدّمين الإقتراحات تمهيداً للحلول التي تحفظ ماء الوجوه ولا تنتهي بغالب أو مغلوب، وتصون الميثاق الوطني لأنها تقلّص مسافة الخلافات بين الأفرقاء ولعلّ أفضل من عبّر عن أهداف أولئك المميزيّن وعن مصلحة الوطن العليا كان المرحوم الرئيس تقي الدين الصلح وقد رفع القول / الشعار الأثير الذي لايزال، في تقديرنا، صالحاً اليوم وكل يوم، والمنبثق من عقل واعٍ، وفكرٍ ناضج، ووطنية صادقة، وغيرَة على لبنان مشهودٌ لصاحبها بها، لبنان ذو الدور الرائد في دنيا العرب باعتبار أنّ «اللبنانية» هي رافد طبيعي ومنارة للعالم العربي، والعروبة هي (أو هكذا كان يتمنّاها تقي بك) الحصن للأخ الأصغر لبنان.

وذلك الشعار الذي رفعه سليل الأرومة الصلحية كان من بضع كلمات غاية في البساطة ولكنها عظيمة المدلول. قال تقي بك وكتب: «خيرٌ للبنانيين أن يتّفقوا على خطأ من أن يختلفوا على صواب». وفي تقديرنا أن هذا الشعار هو عُصارة فهمٍ عميق للبنان وصاحبه (كاتب البيان الوزاري لحكومة الاستقلال الأولى) هو أكثر من وعى وتفهّم فلسفة الكيان اللبناني وأسهم في تظهير صورته الـمُشرقة.

وقد حضَرني أمس هذا الشعار التاريخي وأنا أتابع وقائع ومجريات الجلسة النيابية المعقودة في قصر الأونيسكو بدلاً من القاعة العامة في ساحة النجمة نظراً للظروف الصحية العالمية جراء  فيروس كورونا. فتوقّفتُ أمام الخلاف على مشروع العفو العام، وكيف اختلط حابلُ العدالة بنابلِ السياسة، وما رافق ذلك من مواقف وبيانات وتصريحات وتغريدات… فتساءلتُ: أين المصلحة الوطنية؟ ولم أسأل: من على خطأ ومن على صواب؟ أين العقّال؟ أين أمثال تقي الدين الصلح؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *