روبير غانم… خارج المرأة الشعر قحط ويباس

Views: 127

وفيق غريزي

ارومة شعرية عريقة، نبتت وتسامقت تحت جناح صنين، عريقة في الابداع، ظلًلت الحركة الشعرية اللبنانية خصوصا والعربية عموما، ببعض من ظلالها المشعًة بالوهج. عبدالله غانم الأب حلًق في فضاءات الشعر والنثر كالنسر، وخلًف وراءه ادباء: القاضي الدكتور غالب غانم والمحامي رفيق غانم، وشعراء: جورج غانم وصديقي الابدي روبير غانم.

روبير عرف في الاوساط الشعرية بشاعر الغزل والخيبة والانتظار، وهذا ما تعبر عنه قصائده التي تضمها دواوينه الكثيرة، وعرف كفيلسوف التشاوًم على غرار الفيلسوف الالماني ارثور شوبنهاور، فماذا مثلت المرأة لدى هذا الشاعر الفيلسوف؟

يتحول شعر روبير غانم في بعض تحولاته الى عقود وحلى، يزين به جيد المرأة الحبيبة، لا يلبث ان يتحول الى نشيد تتوحد فيه الحبيبة بالكون وبالاشياء. وعبر توغلي في اعماق صًديقي الابدي الشاعر – الفيلسوف روبير غانم، اكتشفت المكانة التي تحتلها المرأة في عالمه “الجوًاني”  وعالمه “البرًاني”.

 المرأة في شعره وفي تجاربه الحياتية

ليس هذا الصديق الأبدي غريبا هنا عن عالم شقيقه الشاعر جورج غانم،  ولكن لكل منهما خصوصياته وميًزاته ونكهاته. ولن يستطيع تصوًر عالم مرئي يتلامسهما ويتلامسانه من دون امراًة، من دون حب، من دون هوى، من دون عشق. ثم توغل روبير في شعر الكون والماورائيات، ولكنه بتوغله عبر امراًة ما، عبر نساء عديدات كتب عنهن، وعبر امراًة واحدة لم تولد بعد.

وعن تجاربه قال روبير: “تجاربي، نجنا اللهم من التجارب، تشكِّل قاموسا من اللهب. تجاربي تشكل بالنسبة اليً على الأقل قاموسا من اللهب، تتمثل المرأة قدرًا وزهرة من النبالة والسوريال، واقعية – خرافية، واقعية على توهم ينتشلني من صداً اليوميات البليدة، الى نقاوة الاشعاع السماوي البهي”. ولم يتصور نفسه يومَا خارج أسر المرأة البهي. (https://www.newsoftwares.net/) ولم يتصور شعره خارج نبض المرأة، ولم يتصوّر قصائده خارج لهب المرأة، وبالتالي، لم يتصوًر ما يكتبه شعرا، نثرا، فكرا خارج تفجًر تولده تلك المرأة التي يخترعها، ويخترع حروفها يوميًا عبر كل حرف، كل فاصلة، كل قصيدة، وكل كلمة يخطًها عل الورق. 

وقال: “لأكن صريحا معك يا صديقي الابدي، قلمي مغمّس بحزن المرأة، قلمي طالع من جرح المرأة، قلمي كشاعر نابت من صهيل ذلك الشوق المستحيل، وذلك العشق المستحيل، وتلك الفرادة المستحيلة”. 

ولكن كل هذه لم تتولد إلا عبر انامل المرأة التي انعكست في شعره حتى نخاع العظم، وتتوحد في كله حتى نخاع العظم ايضاً، وان تجاربه العشقية تجربة اولى في البداية، حيث سيطر هاجس المرأة، وصيغ شعره بكل الوانها. لانه كانت كمعظم الناس تجربة أولى، ولكن تجربة حاسمة في شعره حتى النهاية، ويمر في ذهنه شريط من حكايا ولدت، وحكايا لم تولد بعد، وأخرى في التوهًم والتبصًر والرؤيا، واختصرها جميعا بما قاله: “اعطني عينيك ابني عالما من خيوط الريح أم من قلقي”.

الشاعر روبير غانم

 

تاًثير المرأة المنعكس في شعره

ان روبير غانم خارج الهجس والحدس والارهاص بامراة ما، بحكاية غزلية ما، بعشق جديد ما، فان قلمه يحرم عن الكتابة، يتمرد على القواميس والكتب، يتمرد حتى على الابداع. وتجاربه الاخيرة مع المرأة فعلا من دون أن ينسى انه بعيد عن الكلام التقليدي، الكلاسيكي الممجوج، وليس عن الكلاسيكي بمعناه التراثي العظيم. ويقول: “انني انبهر خارجا، ولكنني فعلا وصدقا تزوجت المرأة التي احببت، والتي كتبت لها قصائد عديدات، واعتبر هذه القصائد من اجمل شعري على الاطلاق “. 

ولو تحدث روبير غانم عن علاقته بالمرأة، عبر صدق يكويه وهو ايضا يكويه، يتحدى الشاعر والشاعر يتحداه، انه شاعر الغزل الصهّال الخايب في مرات كثيرة، وشاعر النساء، اللواتي لم تكتمل قصصهن في مرًات عديدات ايضا. 

ان علاقات قديمة وسابقة لم تهزَّه فقط بل فجًرته من الداخل، وكتب عبرها اروع القصائد الغزلية. واكد لي قائلا: “يا صديقي الابدي ابعدني على الأقل عن توهم قصص العشق وامراء الحب واجواء الحنين، واحلام النقاوات واللقاءات بامراًة جميلة ما، في مكان ما، في زمان باهر ما. ابعدني عن كل هذه الاشياء، ينكسر قلمي، يغزل، واذا اردت يدمع”. ان جمال الحب بما يحمله من عذاب وجراح للمحب، امتشق روبير القلم كما يمتشق الفارس البطل السيف، وليس هو هنا الفارس البطل انه في المطلق يتكلم طبعا، يمتشق القلم ليكتب شعرا قلقا عن كل ما في الكون، لينسكن بذاك الحنين الابدي، بذلك التوق السرمدي الى المعرفة ولكن ينسكن قبل كل شيء آخر، بذاك الحنين. بذاك الجرح اللاوصف له، الاشكل له، اللاحضور له الا عبر توهم يحسه روبير واقعا الا وهم جرح تلك المرأة، الوجع الجميل الذي تولده تلك المرأة التي يبتكر تفاصيله كل يوم، لا كل ساعة بل كل لحظة.

الشعر والمرأة، وموقفه شعريًا ازاء المرأة

ان المرأة التي يكتبها روبير غانم، او يكتب عنها لم تكتمل صورتها بعد، في شعره اجزاء من كل نساء الارض اللواتي عرفهن، واللواتي عبرن من زمان، واللواتي لم يولدن بعد. في شعره الغزلي تجارب مرت معه، وتجارب تمر معه، وتجارب ما تزال في باله، ولو اراد اسهابا لوضع بين ايدينا كتابا او معجما جديدا من نقاوات الحب، ومن مسافات العشق، ومن عوالم لا يحق الا لاقدام النبيلات ان يطاًن ارضها المتوهمة. ويقول: “المح في عينيك مستقبلي المحه عمرا قوي الجناح فهات في عينيك لي مرقدا وسع انفتاح الضوء عند الصباح “. 

المرأة في الضوء، هي الصلاه، وهي كالنار الوهمية. وجمالية وهمية تشد روبير الى مستحيلاتها والى ابداعها والى حضورها النقي، بلون قصائد الورد والسماء، شعر خارج المراً مسكون بالقحط واليباس، مسكون بكل ما في الارض من عبير. روبير غانم شاعر التجارب اولا وآخرًا، حتى عندما لا يكون غواصا في تجربة ما. انه يكون بانتظار الغوص في هذه التجربة. وهذا ما يقلق شعره، ما يفجر الكلمة عنده، ما يجعله ينعتق من ترابية الشعر، من رمادية الشعر، ون وحي الشعر، الى بهاء القصيدة التي لم تكتب بعد عن امراًة لم توجد بعد. انه غزًال، وليس غزله هذا تعبير جديد، انه بتواضع شاعر المفاجاًة والخيبة والانتظار. يقول: “يا عالم الانتظار متى يفيض الحب في الانهار ليطلع النهار “. 

انه شاعرالتجربة والجرح، شاعر ذلك الحلم المستحيل الذي لا تقوى على توليده وابتكاره سوي امراًة بعضها موجود وبعضها آت لا محالة…

وفيق غريزي و”صديقه الأبدي” روبير غانم

 

روبير غانم والشعراء الغزليين القدامى

هذا القلق الغزلي الساطع في اذهان الشعراء، يحس روبير غانم انهم جميعا ينتمون الى نبع واحد،والى تفجر واحد. ربما ” لا تكون انت بالذات كشاعر يا صديقي امتدادا لصوت جاء من آلاف السنين، بل اكيد انك مرات تنبع مع هذا الصوت من تربة واحدة، وتشرب مع هذا الصوت من نبع واحد، عبر هذا الاطار اضف ما اراه من شعراء خالدين عبروا وبعضهم موجود الى ايامنا، ومن هذا الاطار ايضا ارى في شعرهم عن المرأة، وفي شعرهم الغزلي عامة، تلك البهاءات والاجنحة التي ما زال حفيفها يصفعنا بنقائه حتى الان “هذا ما قاله روبير. هو شخصيا لا يقيًم شعره الغزلي، فعلى غيره مهمة ذلك، وانه يعتبر أن لا شعر باقيا من دون محرًض، الاشياء المحرًضة على كتابة الشعر نادرة وعميقة، واًبرز هذه الاشياء -القضايا هي المرأة هذا بشكل عام. وابرز ما يحرِّضه هو على كتابة الشعر الغزلي بنوع خاص هي المرأة. هذا ما يعتقده روبير غانم، وهذا مفهومه لشعر الغزل بمعناه الاصيل، لا بمعناه الهزيل الذي تشوًه على ايدي عجقة من مطبلين ومزمرين لم يروا في المرأة سوى جسد عفن مبتذل، رغم ان المرأة هي سماوية في كل ما تحمله من نقاء واًعاد واًحلام…..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *