في عيد المعلم

Views: 774

أنطوان يزبك

 

المعلّم إذا لم تصفّق له، صفّقت له الأرض والسماء…

في ذكرى عيد المعلم ينبري الخطباء والمدراء والوجهاء والعمداء وحتى الأغنياء والفقراء وكل من له لسان ينطق وأيادٍ تصفّق في تعداد صفاته وخصاله، وجعله بطلا من هذا الزمان، حيث القيمة الحقيقية للمعلّم تنحدر بسرعة الضوء على كل الصعد!..

قيل قديمًا إن الأوطان تقوم على كاهل ثلاثة:

فلاح يغذيه، جندي يحميه ومعلّم يربّيه…

وفي الحقيقة، تساوى الثلاثة في وطني؛

في الفقر والعوز والفاقة وبدا أن الأوطان تخلت عن هؤلاء، لا بل رمت بهم في آخر مكان وأبعد عزلة وتهميش.

لا أحد يجادل في أن قيمة المعلّم الحقيقية قد تراجعت مع القيم ومع تبدّل وجه المجتمع وفقدان الأخلاق!

البير كامو

 

حين فاز الكاتب والفيلسوف الفرنسي “البير كامو” بجائزة نوبل للآداب، بعث برسالة شُكر إلى أستاذه “لوي جيرمان” جاء فيها:

“فلولاكم، وتلك اليد العطوفة التي بسطتموها نحو الطفل الفقير الذي كنته، ودون تبلور إرشادكم وتكريس نموذجكم، لم يكن في وسعي أبدًا تحقيق ما حققته حاليًا!!..

أجل هذا غيض من فيض مما قاله ألبير كامو في أستاذه الذي يعزو إليه فوزه بجائزة نوبل للآداب، معتبرًا أن لولاه لما كانت هناك جائزة ولا شيء البتة، ألم يقل “أناتول فرانس” ذات مرة:

“إن في التشجيع تسعة أعشار التربية”!!..

إن ما حصل مع كامو هو إثبات لهذه النظرية!..

التربية إذن هي فنّ، فن كبير وراقٍ، وحاجة متواصلة لا بداية ولا نهاية لها، التربية هي كالهواء والماء والغذاء والعافية والعقل، وكل نَفَس في حياة الإنسان.

هذه القيمة في التربية دفعت ألبرت أينشتاين ليقول:

“ما يجب أن يكون عليه التعليم هو هدية قيّمة وليس واجبًا قاسيًا”.

لذلك بات من الواجب أن تكون مراحل التعليم كما نعرفها، مراحل بعيدة عن التشنّج والقلق والقهر المتسلّط، وكل ما هو منفّر للطالب والمعلّم على حدّ سواء، لا بل يجب أن تكون المعرفة شيّقة مرغوبة، نسعى إليها لأنها أغلى من الكنوز ومن كل ثمين على الأرض. يجب على المعرفة أن تحدو بالتلميذ إلى الانكباب على تحصيل العلم والاستزادة منه، ولا تتحوّل المدرسة إلى إصلاحية للأحداث أم سجن كريه ويطلب منه فرارًا، فهل من يسمع!!..

أرسطو

 

منذ ألفي عام ونيّف اعتبر أرسطو أن المعلمين الذين يربّون الناشئة، يستحقون التقدير أكثر من الأهل، لأن الأهل كما قال يمنحون أولادهم الحياة، بينما المعلّم يمنح الأولاد الحياة الفضلى؛

كذلك قال الإسكندر المقدوني:

“أنا مدين لوالدي لأنه أمّن لي الحياة، ومدين لمعلمي لأنه أمّن لي الحياة الجديدة”.

قيل الكثير في المعلّم بيد أن حقوقه لا تزال في الدرك الأسفل وهو دائمًا كبش المحرقة، في كل مذكرة تكال له الشتائم وأقبح الملامة؛ وتُنسب إليه أسقام وعلل الوطن.

حين أُقرّت سلسلة الرتب والرواتب حُمّل المعلم كل أسباب الإفلاس، ولم يذكره أحد أنه كان يعيش على الفتات ويتقاضى أسوأ الأجور؛ بينما أساطين السياسة ورجال الأعمال، والزنادقة والخوارج والمافيات وشذاذ الآفاق، يسحبون أرواح البشر من الأبدان ويفرغون البلد من أمواله، يمتصّون النسغ والرحيق ويتركون الوطن هيكلا عظميًا، لنصمت إذن عن فصول الدراما ونصمت عن الكلام المباح وغير المباح!!..

ذات يوم قال الملك فيصل الأول: “لو لم أكن ملكًا لفضلت أن أكون معلمًا”.

ها هو الملك يجلّ  مهنة التعليم على المُلك، وأنا أقول إن كلّ معلّم أصيل هو في الحقيقة ملك، تاجه المعرفة ومملكته المحبة والتضحية والبذل بلا حدود، أجل مملكته ليست من هذا العالم لأنها قدسيّة، مملكة المثل والروح والرقي والتقدّم، عالم ندركه بحواسنا وأفكارنا وقلوبنا، لكن الوصول إليه مع الأسف مُحال!!..

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. عندما يكتب المعلم المربي عن المعلم ، يكون الخطاب ماء العقل والوجدان ..
    بوركت استاذنا