علاقة الإنسان بالكون: تكامل أم تنافس

Views: 396

أنطوان يزبك

 

يقول الإمام عليّ عليه السلام:

دواؤك فيك وما تبصر

             وداؤك منك وما تشعر

وتزعم أنك جرم صغير

           وفيك انطوى العالم الأكبر

يعرف الإنسان بالعلم أم بالفطرة أنه كائن الأبعاد، يدرك أن له امتدادات مع هذا الكون الشاسع الواسع الذي لا نهاية ولا بداية له، وها هو أفلاطون حين وصف أهل الكهف في ظلام الجهل والأخيلة تتراقص على الجدران بفعل اشتعال النار، قرر أن يفكّ أسر هؤلاء المظلومين، وحين خرجوا إلى النور، صرخ أفلاطون بكل جوارحه: يا علة العلل ارحمني!..

أجل إننا نتحفّظ في أعماق أعماق جهالتنا فهل نفوز يومًا برحلة الاستكشاف والمعرفة إلى الفضاء الخارجي، الأمداء الواسعة إلى حيث لا حدود ولا سدود علّنا ندرك شيئًا من وجودنا ونهتدي إلى اليقين سبيلا…

تقول علوم الفيزياء؛ إن الحقل غير الظاهر في الفضاء يمثل 72 بالمئة من الطاقة الكونيّة، وهذا ما ورد أيضًا في علوم الفيدا VEDA القديمة، إذ تقول إن الوجود غير الظاهر يمثل ثلاثة أرباع الكون. لذلك لا بد للظواهر أن تكون مرتبطة بالطاقة الكونية غير المحدودة، إنها الروح الإلهية التي تسيّر الوجود كلّه بنظام دقيق وذكي.

البروفسور ستيفن هوكنغ

 

قد يستثير هذا القول أصحاب النظريات الماديّة ويدخلهم في أخذ وردّ حول الكون، وما إذا كان له من مهندس أعظم يسيّره ويعتني به، أم أنه يسير من ذاته بحكم قوّة طاردة حينًا مركزية، وحينًا آخر متوزّعة في كل أنحاء الكون، لكن ما لا جدال فيه، هو تلك الجاذبية التي نتمتع بها على الأرض ونبقى على سطحها فلا نطير إلى الفضاء حيث الخواء والفراغ!!…

ولعلّنا أيضًا نتساءل في السرّ والعلن هل سوف ينتهي العالم، وفي حال كان مقدّرًا له الفناء فهل سيكون على أيامنا، لقد تنبأ العالِم الألمعي البروفسور ستيفن هوكنغ أن العالم يميل إلى الفناء، كما اعتقد العبقري أن حلّ اللغز الكوني يمكن أن يصبح مفتاحًا لبقاء وديمومة البشرية.

لكن البعض يعتقد من ناحية أخرى، أنه ولو كانت نظريات هوكينغ صحيحة، فهي قريبة من الخيال العلمي نظرًا إلى قدم العالم ونحن نجهل كم من ملايين أو مليارات السنين مضت على تكوّنه؛ لقد فُتن هوكينغ بكل ما له علاقة بفناء الكون إلى درجة أنه كتب تاريخًا شبه مؤكد من وجهة نظره هو.

على كل حال تتقاطع أفكار كثيرة بين النظريات الحديثة في عالم الفيزياء والرؤية الأسطورية القديمة في الفلسفات القديمة وحتى الأساطير المؤسسة للفكر عند الشعوب (ميثولوجيا، فنون، فلسفة، تقاليد..) هذا ما حدا بأفلاطون إلى التفريق في مسألة خلق العالم، بين نوعين من الوجود؛ ما هو دائم وما هو متغيّر! فهل ثمة ما يتغيّر في الله إذا افترضنا ذلك ام هو كامل سرمدي أبدي أزلي، لا يتحوّل ولا يتبدّل مع الزمان والمكان؟!..

لسنا هنا بمعرض الجدال ولا استحداث انقلاب على أفلاطون وتأثيرات الفكر الفيثاغوري عليه، جلّ ما نبتغيه هو فرصة ولو ضئيلة لنعرف شيئًا بمقدراتنا الضئيلة..

الفيلسوف ميخائيل نعيمه

 

يقول الفيلسوف اللبناني ميخائيل نعيمه في “ومضات” وهو كتاب شذور وأمثال في الصفحة 26 ما يلي:

يقدّرون عمر الأرض بأكثر من مليون سنة، ويقدرون عمر الإنسان على الأرض بأكثر من مليون سنة، ويلوح لي أنّ الإنسان أعتق بكثير من الأرض، إلا إذا كانت الأرض أو اي جرم آخر، اعتق من الله بكثير…

فهل يغمز هنا ميخائيل نعيمه أن الوجود المادي سابق لله، ام أننا نحن البشر اكتشفنا الله الذي هو موجود قبلنا بسنوات ضوئية، وإذا كان موجودًا ومكتفيًا بذاته فما الجدوى من خلقنا؟!..

بيد أن ميخائيل نعيمه يقول في صفحة أخرى من كتاب ومضات صفحة 73:

“لن تبصر وجه ربك ولن تسمع صوته؛ إلا إذا أفرغت عينيك من بشاعات هذا العالم وأذنيك من ضجيجه!..

أجل هو عالم صاخب لدرجة يصبح معها من العبث أن نستشف الحقيقة من أي شيء آخر، وسط الضجيج والحروب وسفك الدماء، كانت لنا الأرض جنّة فحوّلناها إلى جحيم وتوالت الكوارث البيئية بشكل فظيع، حتى بات مستبعدًا لدى الإنسان، ان يصغي إلى صوت المعرفة والعلوم.

ختامًا أورد هذه القصة التي حصلت بين اينشتاين والكاتب الإيرلندي جورج برنارد شو إذ ألقى هذا الأخير خطابًا عام 1930 على شرف ألبرت اينشتاين قال فيه:

“نابليون ورجال عظماء مثله بنوا  امبراطوريات؛ ولكن أينشتاين وأمثاله بنوا أكوانًا كاملة من غير أن يسيلوا قطرة واحدة من دم أخوانهم من البشر”.  

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. علاقة مثيرة للجدل، تدور حولها العلوم والفلسفات كما الفنون والأديان، تلك العلاقة التي تربط الإنسان بالكون. ومقاربتك لها في هذه العجالة تتجلّى فيها خلاصات إجابات كثيرة، كما تطرح بدورها المزيد من الأسئلة المحفّزة للفكر والدافعة للتحليل والدرس!