محمود عيسى موسى ولعبة الفصحى والعامية الفلسطينية في”حنتش … بنتش …”

Views: 793

غادة رسلان الشعراني

 

حنتش … بنتش …

اختارها الكاتب محمود عيسى موسى عنواناً لروايته ببراءة الأطفال ودراية العِظام …

فكانت لعبة اللغة بين العربية الفصحى واللهجة العامية الفلسطينية بمزيج جميل لايضاهيه سمواً معهما أيُّ كاتب …

لعبة من ألعاب الطفولة فوق المقابر بأداة وحيدة هي عظمة كلب …

تستطيب معها المتعة معجونة بالخوف وارتعاد الفرائص ومحاولة تمسك الأيدي ببعضها وتأهب الأقدام المعجونة بالفقر والشقاوة …

(حنتش بنتش و اللي يلحق ينتش)

لعبة تنتظر ظهور الشبح بين المقابر كخيال جامح يتواءم وعملاق الحياة القاهرة الذي يدب فوق جسد الصبية (إجزم)

بل عملاق يدب فوق جسد الوطن كله …

غادة رسلان الشعراني

 

إجزم قرية من قضاء حيفا بـ ٧٠٠٠ من الفلاحين وقليل من المتعلمين ، تجلس فوق تلة وسط جبل الكرمل …

لعبة الحرب من أيام تركيا وحتى الانتداب البريطاني واليهود …

أشباح من نحاس ومن دم ولحم ، تقسو على اللاجئين الذين هجرهم اليهود من فلسطين …

/ف-ل-س-ط-ي-ن/

بين فلس وطين وسلف وطفل وفل …

الكاتب محمود عيسى موسى يغزو معنا وبنا ويقحمنا في ذاكرته القديمة الحاضرة كحضور الحياة فيه ، بحضور جامح مليء بالأحداث من تهجير وتنقلات وظلم واحتجازات وسجن وقتل وإعدام جائر بتهمة المشاركة في الثورة ضد الاحتلال وفساد في البلاد وبيع الأراضي لليهود وبيع الثوار … وأبسط الأمثلة على الحنتشة والبنتشة عندما تراكض الجميع باتجاه مركز الوكالة في مخيم إربد لاستلام المساعدات ثمن البلاد لرد الحاجة والجوع الكافر ومن يلحق ينتش يتزاحمون يتدافشون يتشاتمون يتساببون فهل يذبحون بعضهم بعضاً وينسون العشرة والمصيبة المشتركة والأيام الحلوة وأيام العلقم والحنظل التي قربتهم كعائلة واحدة ؟!!! …

يسرد لنا الكاتب محمود عيسى موسى بتفاصيل فياضة عن تواريخ وجغرافيات وتضاريس وأجواء اجتماعية وعن وقفات الرجولة والرجال وعن النساء الفلسطينيات اللواتي لم يقهرهن التعب فكن كالرجال …

عن أسمائهم، صفاتهم وفرعطاتهم …

ماقبل ولادة (الساهي) كما أسمته الحجة فرحة جدته لأبيه (عيسى) وحتى وقته الحاضر يرى -الفرعطة- يستشعرها تاريخياً وجغرافياً ونفسياً …

الفرعطة التي انجبلت بدماء العرب بتركيبتهم بثناياهم الفاضحة … تفرعط الفلسطينيون وتفرعطت آمالهم بالعودة

تفرعطت ثوراتهم وتفرعطت توجهاتهم …

تعلم الكاتب مع أطفال مخيم إربد الذي عاشوا فيه يقودهم معلمهم ذو الإصرار البرتقالي العنيد الشديد ليفهموا على يديه درس التاريخ وعِبَره كما يفهمه الفرسان …

بروح الفكاهة الرقيق يسند قهر الحياة فيقول الكاتب :

كيف لنا أن نكون فرساناً ونحن مثل قطيع من القطعان الجرباء يجرنا معلمنا في طابور واحد … كل الدنيا طوابير ومن أيام زمان …

 والبرتقال أيضاً لم يسلم من فعل الفرعطة بسبب حم الانفجار فالحرب تودي لجنون أكبر شنب …

أما السماء فإنها تقود الجميع إلى الجنة أو الجحيم ونحن مطمئنون أننا من أصحاب الجحيم لامحالة لكثرة ماهددونا بالنار من الدار الآخرة …

يتحدث الكاتب عن الشام … الشام من الياسمين والياسمين من دمشق ودمشق من سحلب الحياة الأبيض

الشام في خلاياي وقمصاني وسروالي الوحيد

أمام الشام (الأنثى) التي لم يعرف أحد لمَ أحبها وهل يعرف للحب سبب ؟!!! …

الكاتب محمود عيسى موسى

 

الشام حائط كبير يتكئ عليه الحفاة والمقاطيع ومن هم على حدود السكوت، أول حائط بناه هود بعد الطوفان، حائط يحج إليه صغار العاشقين وأصناف الفَراش، حائط يزخرف قدسيته ويحدد مساقط النور الساقطة عليه …

تحدث الكاتب عن غرفة قبيلته الخماسينية المؤلفة منه ومن أربعة أصدقاء له فكانوا :

* حسين مصطفى عنيد : من كفر حارب في الجولان …

* مسعد العبد الرحمن : شايب الصدر ولد في إجزم …

* عبد الله برغل : من قرية سراقب في إدلب شمالك ياسورية، الرجل الذي لايساوم أبداً ولا حتى مقابل أن يحظى برضى أنثى أو صديق، تبحث عنه ولن تتحمل حريته، ستخفقك حرارة الحرية ووطأة الرقص والثورة وسيهدك مزيج داكن من الحزن والفرح مجهول فيه وحتى لحظة الموت ولن يكفي، هو بلا روح وكله روح فالصدر بيت الروح في بني آدم ، هو من أخبر الجميع أنه يسكن مع أربعة أنبياء …

* محمود عيسى موسى (الساهي) : ولد في مخيم إربد ، هج مع أهله من إجزم حيفا وسكنوا قرب المقبرة ، مهندس الموسيقى ، يخطط ويرسم تحليقهم ، يرتب الأناقة كما في صوت (ماري ماثيو) المغنية الفرنسية …

* جاد الله أحمد : الصقر ، من بصرى الشام ، يدب في عينيه الدمع كما تدب مياه النبع إن طلعت من صخر الجبل ، الوحيد الذي ينتبه إلى أن الأنثى تحب الإتيكيت…

ها هم أولادك ياسورية يلتقون في ناحية الزبلطاني – شامك – في دمشقهم بأبوابها السبعة وكأنهم من عالم آخر وكأننا نعرفهم منذ زمن بعيد …

 فالإنسان أعمق من كل القوانين … وعندما يتربع الإله على عرش الدينونة الخالد يتربع على عرش ذواتنا وعندما يصبح الإله طفلاً غريراً مليئاً بالبسمات والدموع يصبح الإله علماً وواقعاً معاشاً بوعي …

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *