الياس أبو شبكة…”روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة”

Views: 1021

بيار أديب ضاهر

بيار أديب ضاهر

 

الكُتب هي كالإنسان، لها تاريخيّتها ولها حياتها ووجودها وتموضعها، وكتاب مثل هذا الكتاب يمكن إعادة طبعه ونشر ما تضمّن من معلومات قيّمة، لكن تبقى ناحية جمالية في طباعته منتصف القرن الماضي، بتقنيّات الطباعة والرسم والغرافيك لتلك الأيّام، التي لها رومانسيّتها وفنّها الدقيق والمميّز.

 

 

  في زمن العولمة والانترنت والهواتف الذكية، وفي عالم يجتاحه وباء الكورونا مضافاً إلى العديد من الصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية المتنقّلة، تُطرح مسألة الهويّة والانتماء والمصير، فتبدو الحاجة الملحّة للفكر والثقافة واللحاق بركب الحضارة والتقدّم مع الحفاظ على الجذور وكلّ ذي قيمة من التراث. ومن الكتب التي تضيء على أصول التراث والنتاج الفكري الأدبي في النصف الأوّل من القرن العشرين، ومدى ارتباطه بالفكر الأوروبي بعامّة والفرنسي بخاصّة، كتاب ابو شبكة “روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة” (نشرته دار المكشوف في بيروت عام 1943).

 

الكتاب غنيّ بالأمثلة والشواهد التي توضح تأثّر الكتّاب والشعراء العرب بنظرائهم الفرنسيّين، فيعود بنا، عبر التاريخ، إلى أزمنة الإتصال الأوّل بين العرب والأوروبيّن، فيُظهر دور التجارة بين الفريقين في نقل الثقافات، كما لدور العرب في الأندلس وصقليّة (اي اسبانيا والبرتغال وجزء من ايطاليا اليوم) زمن تفوّق العرب الحضاري على الغرب، حيث أخذ الأوروبيوّن عن العرب الكثير من العلوم والمعارف، وكذلك أيّام الحروب الصليبيّة للفرنجة على بلاد الشرق العربي، وصولاً إلى زمن تقهقر العرب بدورهم واحتكاكهم مجدّداً بالغرب عن طريق إحتلال نابوليون لمصر وحَمله أفكار ومبادئ الثورة الفرنسية (1789) وعلوم الغرب، ممّا أسهم لاحقاً في النهضة الفكرية العربية في القرن التاسع عشر، تلك النهضة التي ما لبثت أن خبَت تحت رماد الحروب المتتابعة والاستعمار الغربي للبلاد العربية وما خلّفه وأذكاه من انقسام وشرذمة وتبعيّة للخارج، هذا التخلّف الذي لم يعش ابو شبكة ليشهد آثاره وتداعياته (توفي عام 1947).

 

يتميّز الكتاب بمجموعة من الرسوم لمعظم الكتّاب العرب والفرنجة الذين يذكرهم، إضافة لرسوم لبعض الشخصيّات التاريخية التي مَرّ على ذكرها، رسوماً أنجزها كلّ من الرسّامين: قيصر الجميل، مصطفى فروخ، رضوان الشهال ومحمد عيتاني، ممّا يُغني الكتاب هذا ويجعله متعة للنظر والذهن معاً؛ ليعود بنا الحنين ونحن نعاود قراءته، او عندما نطالعه للمرّة الأولى، إلى زمن غير زماننا حيث كان الكتاب الورقي المطبوع وسيلة الثقافة الأولى.

 

 

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. كم جميل أن نسافر عبر الزمن ونعب من عبير الماضي الاثيل كتاب يأتي إلينا على جناح الزمن محلقا في فضاء الصورة تعب عليه مؤلفه ورصد له اجمل البورتريهات لإعلام الفكر ،فعلا كتاب متحف الفن والأدب على حد سواء.