مُتلازِمَةُ البُؤسِ السِّياسِيّ

Views: 367

الدكتور وجيه فانوس

(رئيس ندوة العمل الوطني)

 

مُهداة إلى رفيقة عمري،

إيمان شمس الدِّين فانوس،

وهي من رافقني في شهورِ الحَجْرِ المنزليِّ ومصاعِبِ الحَجْزِ الماليِّ،

 بالأغلى مِنَ الحُبّ والأغنى مِن التَّفَهُّم.

                                                         وجيه

 

يَعِيشُ اللُّبنانيُّون، في هذهِ المرحلةِ مِنَ الزَّمَنِ، بُؤساً شاملاً؛ لا يَتَخطَّى أيَّةَ واحدةٍ، مهما كانت ضئيلةً أو ثانويةً، مِنْ جُزئيَّاتِ عيشهم. فالحَجْرُ المَنْزِلِي، جرَّاء محاولاتِ اجتنابِ مآسي وباء “كورونا”، ما انفكَّ يُحيط بِهِم منذُ أكثر مِن سنةٍ مِنَ اليَوْمِ، ويعملُ على عَزْلِ كثيرين مِنهم ضمنَ جُدرانِ منازلهم، كما يُعيقُ غالبيَّتهم عن العملِ الذي قد يُؤَمِّنُ لهم رزقهم في ما يعتاشون منه؛ وكذلكَ، فإنَّه الحَجْرُ الذي يمنعُ كثيرين من التَّواصلِ المباشِرِ فيما بينهم. ولا يكفي الحَجْرُ المنزليُّ في بِلَّةِ ما يُصيبُ اللُّبنانيين اليَوْم؛إذْ سَبَقَ هذا الحَجْرَ، حَجْرٌ مِنْ نَوْعٍ آخر، نفَّذَتْهُ إداراتُ المصارِفِ اللُّبنانِيَّةِ، بالحَجْزِعلى القِسمِ الأكبر مِن أموالِ الشَّعبِ ومُدَّخَراتِهِ، وخاصَّةَ تلكَ التي بالعملةِ الصَّعبة؛ فصارَ اللُّبنانيون، تالياً، في مواجهةِ جِدارٍ أَصَمَّ مِنَ البؤسِ الماليِّ؛ الذي أعاقَ، وبصورةٍ وحشيَّةٍ قاتلةِ، تحقيقَ كثيرٍ مِن متطلَّباتِهِم المعيشيَّةِ، ومنعِ تأمينِ الأكثر مِن احتياجاتِهِم الصحيَّةِ والتَّعليميَّةِ، و تَقْيِيدِ وصولِهم إلى ما قد ترسمُهُ لهم طموحاتهم، وتحطيمِ الأعظم مِن آمالِهِم في تَنْشِئةِ أبنائِهِم وتأمينِآتٍ مِن الأيَّامِ زاهرٍ لهم. وقَبْلَ هذينِ الحَجْرَيْنِ،، وكِلاهُما أشدَّ بطشاً بالنَّاسِ مِنْ زَميلِهِ وفَتْكاً، كانَ الفسادُ الإداريُّ والتَّعَفُّنُ السِّياسيُّ قد نَخرا كثيراً مِن معالمِ الحياةِ العامَّةِ في لُبنانَ؛ حتَّى وصلَ الأمرُ إلى ما نُعايِنُهُ اليَوْمَ مِنَ إنْحِلالٍ مُرْعِبٍ في كثيرٍ مِنَالمفاهيمِ السِّياسيةِ الأساسِ التي طالما تغنَّى بِها اللُّبنانيونَ مُنْذُ أنْ وَعوا وجوداً لذواتِهِم في الدَّولة اللُّبنانيَّةِ، وما يعيشهُ النَّاس اليَوْمَ مِن فلتانٍ في التَّناتُشِ السِّياسيِّ الوَحْشِيِّ والمُفْتَرِسِ لصالحِ قياداتٍ حزبيَّةٍ ومكاسب فئويَّةٍ آنيَّة. ويَسْتَفْحِلُ الوضعُ مُشاكَسَةً وطُغياناً، إِذْ يَتَعَثَّر مسارُ التَّعليمِ المدرسيِّ، بِجميعِ مستوياتِهِ، بينَما باتَ يُسمَّى بـ”المباشِرٍ” و”عَنْ بُعدٍ” و”مُدْمَجٍ”، مِنْ جهةٍ، وما هو توقِّفٌ عن أيِّ تعليمٍ، مطالبةً بحقوقٍ طبيعيَّةٍ وشرعيَّةٍ، بل هي عفويَّةٌ،  للمعلِّمين والتَّلاميذ والأهلِ على حدٍّ سواء. وفوقَ كُلِّ ما سَبَقَ، باتَ القيِّمونَ على المستشفياتِ ودُورِ الرِّعايةِ الصُّحِيَّةِ يَلْهَثونَ مُنْهَكِينَ مِن شكوى العَجْزِ الماليِّ ومِنْ نَقْصٍ ماحِقٍ في الأدويةِ والأدواتِ؛ كما صارت مُعظمُ وسائلِ العَيْشِ السَّويِّ تُكابِدُ النَّقصَ والحرمانَ القاتِلَيْن.

هُوَ بُؤسٌ سياسيٌّ، ولا شكَّ؛ وهو، باستمرارِ وجودهِ، الذي ما بَرِحَ جاثِماً بِقَسْوَةٍ ووحشِيَّةٍ وجَشَعٍ على حياةِ اللُّبنانيين، مُنذُ أكثر مِنْ عشرينَ شَهْرٍ، أصبحَ مَرَضاً خطيراً أصابَ الشَّعْبَ؛ بَل إنَّ هذا المرضَ بدأَ يَتَحوَّلُ إلى وباءٍ يَفْتُكُ بِكُلِّ ما هُوَ مِن مُقوِّماتِ الحياةِ الكريمةِ في لُبنان. فالارتفاعُ العشوائِيُّ والعَبْثِيُّ المُتصاعِدُ لِسِعْرِ صَرْفِ العُملَةِ الصَّعبةِ في لُبنان، وعلى رأسِها الدُّولار،، تَحَوَّلَ إلى طاغيةٍ فاجِرٍ يتحكَّمُ بالاقتصادِ العام؛ وصارَ لهذا الطَّاغيةِ أزلامٌ مِنَ التجَّارِ والمُستثمرين، كما ظهرَ لهُ أتباعٌ مِنَ المُرابينَ والصَّيارِفَةِ، تحوَّلوا بولائِهِم لهُ، إلى أنْ يكونوا الحُكَّامَ الفِعليينَ للبلادِ، والمتحكِّمينَ الحقيقيينَ بِرِقابِ العِباد.

إنَّ هذا الوضعَ، المنطلقَ من تَعَثُّرٍ سياسيٍّ، والمستندَ إلى انحرافاتٍ إدارِيَّةٍ يَعُمُّها العَطَبُ المَعرفِيِّ، وتشمُلها رُعونَةُ المُمارَسَةِ والبُعدُ عنِ الالتزامِ الفِعليِّ بطبيعةِ المسؤوليَّةِ، ويَطْفَحُ منهاعَمىً مُبْلِسٌ في الرُّؤيةِ الوطنِيَّةِ، والذي ما انفكَّ اللُّبنانيُّون يعيشونهُ منذُ عقودٍ قَصِيّةِ الأغوارِ في تاريخِ جمهوريَّتِهِم، لن يثبُتَ،أبداً، على ما هو عليه. إنَّهُ وضعٌ، بطبيعةِ فاعليَّتِهِ، قابلٌ للتَّنامي المُخيفِ في مَساوئِهِ، وواعدٌ باسْتِشْراءٍ فاجِرٍ في آذاه ومُمْعِنٌ في جَوْرِهِ.

إنَّ هذهِ “المُتَلازِمَةِ”، ليست سِوى آفةٍ نَفْسِيَّةٍ وفِكْرِيَّةٍ واجتِماعِيَّةٍ ووَطَنِيَّةٍ؛ بَلْ إنَّها، في فاعليَّتها، سَعْيٌّ يَجهدُ بِكُلِّ ما يَتوافَرُفيهِ مِن قُوَّةٍ وبجميعِ ما يَمْتَلِكُهُ مِن طاقاتٍ، إلى أنْ يوَلِّدَ في نفوسِ الشَّعبِ، ما يُمكنُ تسميتُهُ بـ”مُتَلازِمَةِ البُؤسِ السِّياسِيٍّ”. وهذهِ، مُتلازِمَةٌ عَصَبِيَّةٌ ونَفْسيَّةٌ، تَنْهَجُ إلى التَّحَكُّمِ بالإحساسِ والهَيْمَنَةِ على التَّفكيرِ؛ فتُضحي وقد استعمَرَتِ وجودَ مَن تَتَمكَّنَ مِنْهُ مِن النَّاسِ. أمَّا هؤلاء النَّاس، الذين تَمَكَّنَت مِنهم مُتَلازِمَةُ “البُؤسِ السِّياسي”، فلا يقدرونَ على أيِّ فَكاكٍ منها؛ إذ تُصْبِحُ، في هذهِ الحال، جُزءاً لا يتجزَّأُ من شخصيَّاتهم وحضوراً لا يُفارقُ حضورهم؛ تُسَيْطِرُ على كياناتِهِم وتقودُ منطقهم؛ وتكون، تالياً، العامل الأساس في تشويه فِكْرِهِم وهدم مفاهيمِهِم وتحطيم قِيَمِهِم وخراب عَيْشِهم والإساءةِ إليهم في الآتي من أيَّامِهِم.

لعلَّ بالإمكان، ههنا، الإشارة، ولو ببعض الإيجاز، إلى مجموعةٍ مِن عوارضِ هذه المتلازمة للبؤس السَّياسي؛ عسى أن يكون في هذه الإشارة، ما يساعدُ إلى الانتباه إلى وجودها، والتفكُّر في مخاطرها؛ والسَّعيِّ، من ثَمَّ، إلى التَّخلُّصِ من مضارها في الحياة الشخصيَّةِ كما العامَّة.

أوَّلاً: ضيقُ المنظورِ الفِكريِّ والمَدى الشُّعوريِّ

أن يعتزلَ المرءُ مجتمعه، وهو مُحْبَطٌ سياسيَّاً، ويعيش في حَجْرٍ منزليٍّ لا يُتيحُ له سوى التَّواصل الماديِّ المباشرمع قلَّةٍ معدودةٍ من أهل بيته، بعيداً عن كثير ممَّن اعتادهم محيطين به ومشاركين له في نشاطاته من أهل وزملاء وأصدقاء وناس،؛ ففي هذا ما قد يضع الإنسان في حال مخيفةٍ من الافتقار إلى رحابة المنظور الفكري والمدى الشعوريِّ، على حدٍّ سواء.تصبحُ الأحداث، بسبب محدوديَّة التَّفاعل مع الآخر، وكأنها متساوية نسبيًا من حيث أهميَّتها في ذهن هذا المحجور. قد يُضحي،كلُّ مشروعٍ أو سوء فهم، يواجههمم، ومن وجهة نظره الشَّخصيَّة،أزمةً كبيرةً متضخِّمة، فيعمى عن إدراك كثيرٍ من الحقائق الموضوعيَّة. وهذا العمى، عن الموضوعيَّةِ، يُصَعِّبُ، على من يُعاني مِن هذهِ المتلازمةِ،  الغوصَ العقلانيَّ في تفاصيلبعضِ ما قد يواجهه من أمور ويعمل عليه من قضايا؛  كما قد يُصاب بِوَهَنٍ في منطقِ نظره في الموضوعاتِ، ويفشل في السَّعي المنطقيُّ إلى تفكيكِ عناصرها وإعادة تركيبها، والاجتهاد، تالياً، في تأمين حلولٍ موضوعيَّةٍ ناجعة لها.

ثانياً: الحساسيَّةُ المُفرطة تجاه الأمور

يعيشُ الخائبُ سياسيَّاً، والمنعزل اجتماعيَّاً عن الآخرين، بفعلِ خيبته السياسية، حساسيَّةٍ مفرطةٍ تجاه ما قد يواجهه من أحداثٍ أو أخبارٍ أو قضايا. ولعل العامل الأساس في هذا الحال، كون ما يمكن تسميته بـ”ميزان الأحكام”، بات يعاني خللاً في التَّقَبُّلِ؛وهو خللٌ سيقودُ، حكماً، إلى انفعالاتٍنفسيَّةٍ وفكريَّةٍ هي مجرَّد ردّات فعلٍ مضطربةٍ، لا ينتج عنها سوى مزيدٍ من الخيبة المؤديَّة إلى إفراطٍ في تنامي حساسيَّاتٍ غزيرة التنوُّع ومتشعبة التَّوجهات العشوائيَّة. يصبحُ المرء، بفعل هذه المتلازمة، عرضة لأن يكون مجالاً رحباً لردّات الفِعل القائمةِ على اهتياجٍ اضطرابيٍّ هدَّامٍ، وليس على أيِّ فاعليَّةٍ بنَّاءةٍ ترتكزُ على تفكيرٍ عقلانيٍّ منظَّمٍ على الإطلاقِ.

ثالثاً: وساوِسُ القَهْرِ والاستِغلال

يعاني الإنسان، فيما يعانيهِ من متلازمة البُؤسِ السِّياسِيّ، حالاتٍ معقدة ومشاعر مبهمة ومتضاربة فيما بينها من الوسواس من مبهمة من وساوس القهر؛ وما كلُّ هذا سوى مُحَصِّلة لِما يعيشه من خيبات في مجالات السِّياسيَة، ونتيجة ما يُحْدِقُ بهِ مِن مفاعيلِ الإنزواء المكاني والعزلة الاجتماعيَّةِ بسبب الحَجْر المنزليِّ. ولعلَّ العامل الأساس في كلِّ هذا يكمن في ما يعيشه المرُ، في هذه الحال، ما يتكبَّدَهُ مِن إرباكٍ وانفعالٍ ناتجين عن اضطِّرابه من ردَّات الفِعل العشوائيَّة وفقدان المقدرة على وضوح الرؤيةِ. ويمكن الإشارة، ههنا، إلى أنَّ من أبرز نتائج وساوس القهر هذه، أن يعيش بالمصاب بهذه الحال، إحباط الاعتقاد بأنَّه لا يلقى من الآخرين ما يرى أنَه يستحقه من تقديره، ولربما تنامى هذا الإحساس عنده، ليصبح معاناةً مضنية لتوهمه أنه مُسْتَغَلٌّ من قِبضلِ الآخرين، ولا يحصل على أيِّ تعويض أو مكافأة على ما يقوم به سوى مزيدٍ من الإرهاقِ الشَّخصيِّ واستغلال الغير له.  

رابعاً: الإحساسُ بالمرارةِ والاسْتِياء

يُقاسي المُعاني مِن ويلاتِ متلازمة البُؤسِ السِّياسيِّ،نتيجةَ ما يعايِنُهُ من سلبيَّاتها ويتَحَمَّلَهُ مِن مشاعرِما يعتقدهُ جحوداً مِنَ الآخرين لِما يقومُ بِهِ، إحساساً شديدَ الوَطْءِ مِنَ المرارةِ النَّفسيَّة. فهوي يرى أنَّه مُغَيَّبٌ، مِن قِبَلِ كُلِّ ما هو آخر، عن الوجودِ الفاعل في الحياة؛ بل يعتقدُ أنَّ لا وجودَ حقيقيَّ لهُ، وأنَّهُ ليس سوى مجرَّدِ وَهْمٍ أو شَبَحٍ غَيْر مَنْظورٍ وغيرَ مُعترفٍ به؛ وفي أحسنِ الأحوالِ، فهوَ مجرَّد لا يزيدُ عن أن يكونَ إنساناً هامِشِيَّاً لا فاعليَّةَ أو قيمةَ لهُ على الإطلاق. ويمكن لهذا الإحساس الذَّاتِيِّ بالمرارةِ، إذا ما استمرَّ في تَنامِيهِ، أنْ يَتحوَّلَ، عند من يُعاني مِن متلازمة البُؤسِ السِّياسيَّ، إلى استياءٍ نفسيِّ وفكريٍّ يُهيمن على مشاعره ويتملَّكُ أفكارهُ؛ ويرمي به إلى دنيا شديدةِ البُعدِ عن حقيقةِ الواقِعِ المَعيشِ المحيط به.

خامساً: جُنونُ العَظَمَة

يتولَّد من متلازمة البؤسِ السِّياسيِّ، إثر معاناة المصاب بها من الاستياء النَّفسي والفكري والبعد عن الواقع، ردَّة فعل قد تكون شديدة القسوة؛ إذ يُصابُ، من باب التَّعويض على الذَّات، بشُّعورٍ مُتنامٍ من العَظمَةِ والمغايرة المطلقة عن الآخرين. يدخل المرء، ههنا، مُصاباً وليس مُصيباً، إلى انفصال شبه كليٍّ عن الواقع، ولا يحسُّ بنفسهِ إلاَّ وقد انسلَّت إلى أنفاقٍ شديدةِ الظُّلمة والظُّلم مِن الغربةِ الفِكرِيَّةِ والنَّفسِيَّةِ والمجْتمعيَّة، والانفصالِ السَّلبيِّ الوَخيمِ عن حقيقةِ العيشِ الإنسانيِّ السَّوي. يدخل المرء، في هذه المحطَّة من مآسي الإصابة بمتلازمة البُؤسِ السِّياسِيّ، إلى عوالم باذخة من الأوهام السَّلبيَّة ومترفة بالظَّنون المتخَيَّلة والعامرة بالمشاعر الملفَّقة والضَّاجة بتهويمات الذُّهول والرِّيبة والعابقة تالياً بتَسَلُّطِ اليأسِ وشُيوعِ القنوط.

خُلاصَةٌ

إنَّ أعراضَ مُتلازِمَةِ البُؤسِ السِّياسي، التي يُعاني مِنها غالبيَّة اللبنانيين، في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة، وربما الحاسمة من وجود الوطن، هي في واقع الحال، أشدّ خطراً وأعظم شأناً وفاعليَّةً من البؤس السياسي بحد ذاته. ولئن كان من الممكن، السعيُّ الجديُّ وطنيَّاً، وليس سياسيَّاً، العمل على إنقاذ اللبنانيين مِمّضا يعاينونه ويعانونه من بُؤسٍ سياسيٍّ وقَهْرٍ إنسانيٍّ وتخريبٍ وطنيٍّ وإِخْضاعٍ قمعيٍّ وإِحْتِقارٍ وإِزْدِراءٍ لعقولِهم وإِسْتِحقارٍ لمشاعرِهِم  واضْطِهَاد لطموحاتهِم؛ فإنَّهُ من القَبِيحِ والمُعيبِ والوضيعِ والمُبكي والمُحزِنِ، أنَّه قد يكون من شبهِ المستحيل العملَ على إعادة تصويب مسارات هذه النُّفوس التي جرَّحتها وشوهَّهتها وغَيَّرتها وبدَّلتها مضاعفات متلازمة البُؤسِ السِّياسِيّ.

ولئن كان القَدَرُ لا يستجيبُ إلاَّ إذا ما الشَّعبُ أرادَ الحياةَ، فلا بُدَّ للُّبنانيين مِنْ المواظبةِ والدَّأبِ والمثابرةِ على الكَّدِّ والكَدْحِ،للخلاصِ النِّهائيِّ من عناصِرِ وجود هذا البؤسِ السِّياسيِّ؛ الذي وإن كان ما فتئ يُشَوِّهُ وجودهم منذ عقودٍ مديدة بتناتشه الطَّائفي والمذهبي والسِّياسي، عبر تحاصُصِ الزُّعماءِ السَّياسيين لكلِّ الوطنِ فيما بينهم؛ فإنَّهُ سيقضي قضاء مبرماً على وجود اللبنانيين في زمن لم يعد بالبعيد على الإطلاق.

تُرى، هل يَنْجَح اللُّبنانيُّون كافَّةً، بعدَ كلِّ هذا، وفي خِضَمِ ما قَدْ يَنْتَظِرُهُم مِنْ وَيْلاتِ مُتلازِمَةِ البُؤْسِ السِّياسيِّ، إذا ما أَجْمَعوا على مَبْدأ “المُواطَنَةِ”، قالباً وطنياً أساساً يَصْهَرُ وَعْيَهَم، وعامِلاً مُوحِّداً يَجْمَعُ بَيْنَهُم، ويَجْعُلُ مِنْهُم، كلُّهُم، قَضِيَّةَ الوَطَنِ، ومدخلاً حقيقيَّاً لِوِحْدَةِ ناسِ الوَطَنِ، ومفتاحاً وَحيداً لاستمرارِ حياةٍ فاعلةٍ إيجابيَّةٍ لهُم في الوطنِ، بَعيداً عَنِ البُؤسِ السِّياسيَّ وتَجَنُّباً لِرَجْعةٍ لهُ ولِمُتلازِمَتِهِ القاتلة؟ 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *