لم يعد العالم يكفي

Views: 349

د. جان توما

لم يعد تعبير “الجبنة والزيتونة” يكفي لقيام البيت السعيد. تساقطت أعمدة القناعة والاكتفاء. صار المرء يخرج مرغمًا يوميًّا ليبحث عن زيت وكسرة خبز، وحبّة دواء، ونقطة وقود.

يا من يردّنا إلى الكوخ العتيق في الرّوابي الّتي لا تنتهي، وقنوات الريّ من القصب المتراقص على أنغام مزمار الرّاعي وأغاني الحسان مع جرارهن على نبع المي.

تغيّرت الأحوال، وساد وباء الخوف من الغد. لا أرفع عن طاولة المطبخ صحن الدبس والزيتون كي لا تمضي البركة إلى غير رجعة. ماذا يبقى لنا من رياح البساتين ونسائم التلال غير مذاق ما انتجته أيدي جميلات العمر وغادات ما راح؟

تعقّدت تكاليف الحياة وغزا ملوك الطوائف مفاصل يومياتنا.  انتزعنا أحشاء الأرض بفرح المنتصرين وكنا المنكسرين، ملأناها استئثارًا واقتتالا وعدوات، وما أبقينا فيها حجرًا على حجر، على الرّغم من انّ العمران طالها حجرًا على حجر.

لم يعد العالم يكفي. خربناه بكلّ ما ملكت أيدينا،  فانصرفنا إلى السماء نقتحم العوالم، فنشرنا النفايات التقنية في المجرّات، فيما صار القمر والمريخ وغيرهما  حدائق للأرض استكشافًا لحياة تبدأ من الصفر، وقد صارت أحوالنا هنا صفرًا على صفر.

إن كان الإنسان مشكلة هذا العالم، فلا شكّ في أنّه أيضًا محافظ عليها إن جنح إلى الرّجاء لا إلى الرّياء، إلى العدل لا إلى الدجل، إلى الأمل بالانفراج لا إلى إذكاء الانفجار.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *