*الرحيل الصعب في الزمن الصعب*

Views: 913

فيصل طالب

لاينثني الفيروس الخبيث القاتل عن الفتك بأحبّة لهم في القلوب منازل وفي ميادين العطاء معاقل. صحيح أنّ الموت قدر لا فكاك منه، ولو كنّا في بروج مشيّدة؛ لكنّ مرارة قهره أشدّ وقعاً وأكثر مضاضةً عندما يأتي فجئاً، ويحلّ غدراً، ويصيب من هم في قمّة العطاء وفي قلب الحياة النابضة بعشقهم لها وتعلّقهم بأهدابها.

سمير خلف واحد من هؤلاء الذين عمرت قلوبهم بالحب، وغمرت مزاياهم تقوى الالتزام  ونخوة الأصالة وعزّة النفس  واندفاع الشباب، وزيّن حضورَه المحبّب إلى القلوب دماثةُ الخلق وثقةُ عارفيه ومحبتهم  الذين يشهدون على نبل مقصده وطيب معشره.

أبا عمر .. لا نصدّق أنك رحلتَ عنّا هذا الرحيل الصعب في الزمن الصعب، ففلذتا كبدك ورفيقة دربك يتنفّسون من رئتيك، وقلوبهم تخفق بنبض حبّهم لك، وآذانهم لا تسمع غيرَ تردّد صوتك في أرجاء البيت الذي ملأته حيويةً نابضة بالأمل، وتركتَ فيه أحلامك وديعةً لدى عائلة عامرة بالرجاء، لن تنقطع عن تنسّم عطر ذكراك مدى العمر والزمان.

سمير .. أيّها الصهر الطيّب ! لمَ تركتَنا نئنّ من لوعة الفراق وقد حفر الحزن عميقاً في قلوبنا؟ لمَ أبكرتَ في الرحيل، وتعجّلتَ الوداع، وغادرتَ إلى حيث يقيم الصدّيقون الصالحون، من قبل أن يرتوي من حنانك من أودعتهم أمانة في أعناقنا إلى آخر العمر الذي نرجو من الله أن يمدّ فيه لكي يعيننا على حملها؟

نحن لا ندرك معنى الموت إلّا بمقدار إدراكنا لمعنى الحياة، ولا نمتلك إرادة الحياة إلّا إذا تجاوزنا عبثية الموت، وتجرّأنا على الخوف منه بمزيد من الانخراط في دينامية العيش والحب والعطاء، وإن كانت الحياة في الأصل رواية لا تكتمل فصولها لأنّها تنتهي دائماً قبل فصل الختام، أو مسرحيّة تسدل  ستارتها قبل أن تصل إلى المشهد الأخير.

الحياة تدفّق واستمرار تنتقل بنا من مرحلة إلى أخرى، على مسار  الوصل لا القطع؛ لكأن لا نقاط فيها، بل سلسلة من الفواصل التي تتوالى في دروبها. النقطة انتهاء، والفاصلة انتقال وتتابع وعطف الآتي على المنصرم. ولذلك لا يبدو الموت في عقيدة المؤمنين نقطة أي انتهاء، بل فاصلة أي انتقال الإنسان من حال إلى حال… من دار الفناء إلى دار البقاء!

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *