الحجّ إلى مُونيخ(16) عُمْرة في سُجون ماقبل الفيريس

Views: 424

محمّد خريّف*

من سجون الانقياد إلى الجنة بالسلاسل

ننطلق في عشيّة ممطرة من المطار فتتجه بنا الحافلة السياحية في اتّجاه الضاحية الجنوبيّة ولا تزال أصداء الهتاف والزّغردة عند هبوط الطائرة تتردّد في الآذان والوجدان ،وها نحن لا ندري  إلى أية جنّة موعودة ننقاد إليها بالسلاسل ؟؟ وها هوشريان ينبض من القلب عصفورا يرفرف ،يهفو إلىأن يركس في  قفص من جنّة يظفر بها في العاجلة  و”الحمّامات” جنة دائمة فريدة تلألأ أنوارها ولا أخت لها تحجبها،  ولا أضواء لها كابية، وهي أمّ الياسمين والطّير لا د موع لها  غير قطرات الندى والحسان ينهمر زلال من مآقيهنّ؟

 

هكذا نظل بين أخذ وردّ وترحة وفرحة إلى أن يلهمنا الوجد آيات الصبّ والصبابة ، فلا نفرّق بين فجور الأرض وتقواها ، والحافلة أفعى تنساب ومن سمّها عسل تتلمّظ له الشفاه ، والحيّة تعوج وتتثنى وللمسالك و اعوجاج  واستقامة وللنفوس اِرْتجاج فسحة و ضيق ولاانشراح  بلا اتساع، فتخفق القلوب وتشرئبّ الأعناق وكل منّا إلى رشده يثوب ، ولا تقطيب لجباه بلا عبوس وللمحيا ألق الزهروخنس عبير فواح ينطلق منكسرا نحو من حدائق وبساتين والديار مهجورة لاوقوف فيها لذكر حبيب ومنزل ، ونسيم الصّبا يهفوعلى ربوع الوجد ويليته ما هفا وهل هفو الوباء أمارة من أمارات الفناء؟

 

 وإذا   بالحافلة تواصل طريقها فنشعر بالانقياد الى سجن الجنة بالسلاسل،  ونحن نطلب النجدة من شدّة الاِنحباس، وهل نرتاح من عناء ضيق التنفس والاختناق، لكننا نفاجأ ونحن نتأهب للنزول بأنّ حبسنا في الحافلة قد يطول ويطول إلى أن يأتي المسؤول ومن المسؤول ؟ وتلك موجة من الهرج تعمّ وهل لموج الخليج أن ينسينا الهمّ فنغفل ولا نرى للبحر عن قرب مدا وجزرا  ، هكذايزداد انغلاق أنفاسنا بانغلاق باب النزول من الحافلة وانسداد نوافذها والخوف كل الخوف من هروب أنفاسنا دون أن ضرب أخماسنا في أسداسنا، وكأن الفيريس جنّ مارد   لاتضبطه ديوانه أو مركز بوليس،   وإذا بنا في لمحة بصرنسبح في خضم بحر من عرق جسديّ متلاطم الأمواج ، والأمواج زفيرها من براكين  النفس نكتوي بنار جحيمها وقد وُعد بها المتقون والتقوى من الخوف تصير عبادة، ولا جسور يفوز بلذة يبيت على ندم ، وهكذا حبسنا يضيق  ولانطلب الرحمة و النّجدة إلا من شيطان النزوة ولا من مجيب ؟؟..

 

يطول بقاؤنا داخل الحافلة لحظات تحسب لنا في الآخرة بالسنوات و”حوت يؤكل حوت وقليل الجهد يموت” نجبر على البقاء داخل العربة والعربة صندوق متحرّك على عجلات بيد السائق مجراها ومرساها ، ولعلها لحظة الحساب قبل العقاب ولمّا يحلّ موعد الفيريس وكدنا نشقى بالأمل ولا نستنشق  غير ما تيسّر من نسيم الخليج يصل مضغوطا  فيتأخر موعد الهبوط، وكاد أن يتملكنا الإغماء من شدّة الانتظار والإعياء ، وكدنا نيأس من رحمة الرّحمان، لولم يسخّر الرّبّ قلب السّائق، والسائق انسان مثلنا قد يعطف على الإنسان  ها نحن نراه في تلك اللحظة يغامر ب”خبزة الذراري” لنعيش نحن رغم الدّاء والأعداء، وقد تنفرج الأزمة أو لاتنفرج ، وهل يزول البلاء فنسترد ما فقدنا من أوكسجين الحياة  والأنفاس سرعان ما يزول عنها ضيقها ، وإذا بنا نهرع بأدباشنا شياها نحو ديوان المراقبة الصحية نمشي في قافلة تشبه قوافل البعير ، صاغرين عارضين جلودنا للتعقيم ولا جَرَب يفردنا إفراد البعير المعبّد ، إذ لاشاعر مثل طرفة يصف حالنا وحالنا ليست من حاله ،ولا بعرة تدل على بعير، وهانحن في بلكون من شقة في نزل فخم بالحمّامات ولانفقة ، والحمامات جنّة قد لا يأتيها السّواح من كل الجهات في هذا الزمان بالذات والزمن زمن الآفات ، دعنا نضحك ولا فخر ونحن زوج في قفص من حجر نقضي فيه شهر عسل  -نأتيه  من بلكون مونيخ ولا عين لحسود ترقبنا ولا عود ..

( يتبع)

***

(*) كاتب من تونس الحمامات من 20 افريل إلى 4ماي 2020

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *