الحج إلى مونيخ (17) عمرة في سجون ماقبل الفيريس

Views: 321

محمّد خريّف*

 

من بلكون مُونيخ إلى بلكون الحمّامات

بين بلكون الجنّة في مُونيخ- ومنه كنت أطلّ في بيت الأسرة بمُونيخ على ألوان الحديقة الزّاهية فأسمع تراتيل غربانها الورديّة ،وللسنجاب رائحة لا نشمّها إلا بأنف الخبر ، وبين بلكون الحمّامات في تونس، وهما شرفتان ينأى بهما البصر عن هذر البشر :شُرفة تبعد و أخرى تقرب نلقاهما صورا  ،في سجون الجسد وقعوده و طلق الخيال وسرحته . شرفتنا في الحمامات قدّت من شقة الأمل، فكانت  في نزل سياحي رفيع الإقامة يطيب فيه المقام، هي باب نافذة من نوافذ  جنّة موعودة نرغم على دخولها بعد حساب صحي يشبه العقاب ، و لعلّ الرّحلة الى الحمامات لاتطول فنحط الرّحال فيها ولا رحيل ولا راحلة.

 

 ولا تنقطع عنا شهوة الفضول تذكيها نار الوجد وسامورالحنين إلى مراتع اللّهووالسّهو،هنا تمنع علينا فسحة البهوولا أحد يمنعنا من الزهو ، وفي الشقة لا يسمح لنا إلا بالانزواء والتوحّد وللتجلي في جونا رقصات متصوفة و شطحات وللشطحات  اشراقات  الفتك بالظلمات  دون النطق بالجملة وأشباه الجملة ،  ولاهتك لعِرض ولا سنة ولا فرض نؤديه خارج اللغة واللغو. ولا سجود ولا ركود إلا تمثيلا ولا تماثل للصرامة إلا في المعتقدات ،ولاصلوات لمردة من أمراءالجنّ ولا ملائكة تعبد  الشيطان إلا على سبيل الخاطروالخاطرة، وصلوات الهيكل لامعنى لها بلا هياكل و لايبقى من أصدائها سوى حبّ لعذراء ولا عبرة  لمن لا يعتقد في قصة “مومس فاضلة” ولافضل لها إلا   بفضل سارترعليها نقرأها وقدلاننبذها، ولا طهرلها ولا نجاسة لحبرهاكما لانجاسة ولا طهارة  لمن حجّ إلى مونيخ  وعاد مثلنا بما لايحتاجه المؤمن فيتخلخل عنده الإيمان ولم يحمل من حجّه سوى كنش و كتاب يخلخل بهما فلسفة كتاب وكتاب والفكرة أخت الفكرة وربيبها والفكرة تنازع الفكرة وصراع الأفكارمسرحه الذهن.

ولا سجين مثلي ينزوي في بلكون “الكرنتينة” يفتح الكتاب تلو الكتاب يقلب الصفحات بعد الصفحات منها ينطلق  ولا عودة له على بدء،يصوم عن الأكل ولا يصوم عن تفكيك الشكل ومن تفكيك الشكل إلى تفكيك الفكرولا يخلو حرف من مكروفك وهكذا نقضي في حبسنا يوما بيوم واليوم نحسبه قرنا وهل نخلد أبدا في سجن جنّة ولا سجود فيها لعبد يفكّر، ولا نبوّة لعربيد ولا ستر لعيب  في بلكون اللفظ في جنة يحرم فيها نزيل النزوة  من سرحة التمشّى بلا تقوى وعلى خوف على الضفاف من عدوى التشكي والشكوى،  وزبد الخليج رغوه ينكسر على الرّمال وهل يتكسر  جدارحجرمن وهم والسّجناء كثر؟ وهم أصحاء يخشى من عدواهم البشر ولا شر ولا عدوى والمعدي نسمع به ولا نراه ولا حرج عليه.

  ولا أحد يحسد سجين جنة مثلي وهل أفرح ولاحزن وفسحة العين مني تقترب بي وهْما من فجاج الشقة و زرقة لبحر تشدني إلى الأفق من إطلالة صبح إلى احمرار شفق وكيف لأناملي أن تداعب ما حطّ من أشعة الشمس ونطّ ،وطير من عصف أوكاره في أغصان  الجنة تفقس مناقيره أصفر البيض فتطارده  ظلال العدوى و قد لا نطاردها مترافقين في حبس الفانية لاالدّائمة، هنا في سجن  الحمامات هل يحلو عيش بلا كرب ؟ بعد حجّ الى مونيخ مبرور يأتي صوم مأجور فأظل أدور في حلاب مقعور وأجر المحبوس في الدنيا موكول لحارس الأنفاس وكيف أضرب أخماسي في أسداسي وأمر الوقاية من فيريس الكورونابالعزلة والاعتزال مضمون ؟   فدعنا من حديث  الوباء النحس ، و  لا تفتح علينا غير جهنم  يخرجنا من جنة التسويف واليأس.

 

ولأنوارالضّحى من نسائم الخليج عذب ألوان  تسلل إلى مضجعنا ولاأحد يفرّق بيننا هي خيوط الضوء النهاري تحيينا وتروينا ولها في الأاذن خرير السواقي تغريني منها حروف الآفاق من كتاب “الزمن والوجود” لهيدغر لي فيه طريف اختلاف  انسى الصوم والنوم والحج والتوحد والتوحيد والحقيقة وقد لا أنسى الكذب ، ولعلني أسرق ما لايسرق البشر فأبتهج بما تسرقه مني غفلة الاختلاء بأطياف الخطيئة العذبة ،وقد ينشط فيّ ميّت الأصداء ،فيحييني السوح بلا سياحة في فضاء مابين بين اللفظ، واللفظ وقد ركبا على غير نحو  ماهفا وطفا على سطح الذكر و الذاكرة من ورق حديقة غنّاء  وغنجاء تسير الهُوينا يسيل من دمع خديها سراب يفتن هوسها ينثال…..

(يتبع)

***

     

(*)  كاتب من تونس الحمامات من 20 افريل إلى 4ماي2020

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *