اللّقاح والعدل المفقود!

Views: 507

البروفسور فادي أبو مراد

 

لا شكّ بأنّه على كلّ جهاز صحّي تمنيع أكبر عدد ممكن من الناس، وذلك في أسرع وقت ممكن، مع مراعاة المبادىء الأخلاقية الأساسية المرتبطة بمبدأ المساواة والعدالة. من المتعارف عليه، أنّه عندما يكون هناك نقص في أيّ من الموارد، نحرص على توزيعها بشكل جيّد. هنا تكمن أهمية التخطيط والإعداد لعدم جعل تلك الاهداف متعارضة أو صعبة المَنال.

في الواقع، يُمكن رصد بعض المشاكل والثغرات حتى في أفضل ظروف التخطيط والجهوزية. عندما يحدث ذلك، نحتاج إلى عملية تقييم لما جرى، رصد المشكلة وكتابة الاقتراحات اللازمة لإصلاح الخلل والمَضِيّ قُدُمًا. ونحن نفعل ذلك، حذار أن تصبح الاستثناءات هي القاعدة، اذاك نتّجه نحو الفشل الأخلاقي المُطلق في أيّ خطّة أو نهضة لمؤسّسة أو تنمية لمجتمع.

الأسئلة الأخلاقية التي يطرحها توزيع اللّقاح عديدة ومُعقّدة.

ماذا لو أتيحت الفرصة لشاب معافى ليس مُدرجًا على قائمة الأولوية للحصول على اللّقاح من خلال جرعة باقية مُعرّضة للتّلف في آخر النهار ؟

من المهمّ جدًا عدم خسارة أيّ لقاح، لذلك نُصِحَت مراكز التلقيح بالتفكير في هذا مُسبقًا من خلال اعداد لوائح يَسهل الرجوع إليها واستخدامها لتوزيع الجرعات المتبقية. من سيّئات هذا التوجّه في حلّ مُعضلة اضطرارية، أن يتمّ استبعاد اشخاص يعملون ولا يمكنهم ترك أعمالهم، أو ليس لديهم وسيلة نقل، أو إمكانية لاستعمال كمبيوتر أو استخدامه بسرعة للردّ على الفرصة المتاحة.

أخلاقياً، يُعتبر سياق الحّدّث مُهمًّا وضروريًا في اتخاذ أيّ قرار. لذلك، نتّجه أن تكون الاجابة على هذه الحالة بالنعم. قد يكون من المسموح أخلاقياً السماح لشاب أخذ لقاح يُقدَّم لهُ على عجلة دون أن يكون في المجموعة ذات الأولوية. هذا يتطلّب تبريرًا وبالارقام. هناك دائمًا حاجة للتبرير، في كلّ مرّة نضطرّ الى فعل شيء خارج المعايير المُتّفَق عليها. فقد يكون “تجاوز الخط”، في زحمة انتظار اللّقاح، مُهَدِّد لحياة شخص في أمسّ الحاجة الى الجرعة فضلاُ عن مساهمة ذلك في تفاقم التجاوزات، وأن يُنظَر إليها على أنها “خطّ عبور” مُتَمَحْوِر حول الذات، وهذه سابقة لكنّها مُبرّرة في بلاد الارز.

في هذه الحالة، يُعتبر منطقياً قبول اللّقاح المتبقي وذلك لأنّ دون هذا القبول، سيتمّ تلفه والقضاء على إمكانية مساعدة أيّ شخص. أمّا إذا أُخِذَ اللّقاح بحجّة عدم هدره، فسوف يساعد ذلك في تحقيق هدف مرجوّ ألا وهو تمنيع العدد الاكبر من السّكان والاستفادة القصوى من قلّة الموارد المتوفّرة. من وجهة نظر منهجية ولوجيستية، ينبغي التساؤل عن سبب عدم التخطيط المُسبق للتأكّد من أنّ جرعات اللّقاح تصل الى مَن ينتظرها بكلّ أولوية.

السيناريو الأسوأ، بينما نحاول تحسين سياسة التمنيع الخاصة بنا على الصعيد الوطني، هو التخلّص من جرعات اللّقاح في نهاية نهار تمنيعي طويل.

نقول ذلك دون أن ننسى، بانّ المريض ليس مرضًا مرتبطًا ومحصوراً بجسده فقط، ولكنه حياة اقتحمها المرض بسبب من لا عدالة جِناته ومحيطه. هل لنا في سياساتنا الصحّية ان  نوَفّر شيئاً من هذا العدل المفقود؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *