الاتساق الأدبي في قصيدة “دنياك أمس” للشاعر عبدالله شحادة

Views: 744

ضحى عبدالرؤوف المل

 

تتدفق الأفعال في قصيدة «دنياك أمس» للشاعر «عبدالله شحادة» بشدّة إذا جاز التعبير، وفق دلالات الكلمة التي تخضع لفؤاد الشاعر، ولذاتية الذاكرة التي انعطفت وفق القوى اللفظية والإتساق الأدبي المبني على لوحة الماضي ودنيا الحاضر، لإبراز قيمة التعايش في مكان له إطار زمني ومكاني، بتسلسل يتألف من قوة الأفعال التي تعزز القيمة الأدبية لجواب الرسالة، والصيغ اللفظية القوية التي تستحضر أرض الميعاد حيث تبرعمت الأحلام بتماسك القصيدة، وبانسجام محسوس معتمداً على الرسالة التي فرضت الجواب، ضمن مكونات ذات علاقات زمنية (أمس، حاضر، ماضي، غد) ربطها من البداية الى النهاية بما تم نقله الى الفؤاد الذي يحتفظ باليقظة الشاعرية، وبإيقاع لحني تتناقله الاطيار ينبعث من عاطفة تفيض، وبإلهام هو تأكيد على عقلانية وجوهرية الأخلاق التي تتعشق الذكرى، كفكرة بيضاء لا يمكن تجاوزها ونسيان الماضي، فهي في شرع المحب كالخلود بعيداً عن المدح أو المغالاة لإثبات قيمة العلاقة التي تحكمها القيم، وبتجانس مع المعنى الذي انحصر في دنياك أمس وهو ما عاشه في أمس لا غد من بعده. فهل استطاع الشاعر «عبدالله شحادة» خلق توازنات أدبية بين رسالة نصية وأخرى شعرية؟ وهل يمكن للسرد أن يتحدّى النص الأدبي بمعناه الشعري؟

استطاع الشاعر «عبدالله شحادة» معالجة السرد في رسالة الشاعر الصديق «جبران بارودي» بخلق خطاب شعري بعيداً عن القيود الشعرية المرتبطة بالوزن، فاغرق القصيدة بسمات ذات مفارقات وظيفية تفسح المجال للتأثيرات اللفظية على المبنى من منظور الالتقاط والابتعاد عن السرد الشعري، بأسلوب يستند على علاقة الرابط القوي بين الشاعر والصديق، وذكريات الماضي بعيداً عن غد ملفع بتبرعم الأحلام، والتكوين الشعري الشبيه ببراعم الزهر، والنمو المتباطئ في جمالية تهدف الى العودة عبر الزمن الى ماضٍ تشكّلت فيه حكايات تناقلتها الأطيار في تغريد موزون بوعي يدخلنا الى ميدان التساؤل عن قيمة العلاقة بين صديقين شاعرين قاما بتحويل السرد في رسالة الى شعر في رسالة أخرى، وبتحديات ترتكز على فضاء الزمكان بتنظيم ملتف وفقا لمنطق بناء القصيدة على بحر اختاره الشاعر بخفّة، وبقبضةالروي. ليمنح نفسه القدرة على الاستدارة، ليسلّط الضوء على قدرة الشاعر في خلق التماسك وفق أحكام البيت الشعري وقوة اللغة التي يمتلكها الشاعر، ليضعنا وجها لوجه أمام المعاني، وفعلها المتضمن الكثير من الإشارات التي تسمح بالاستكشاف الأول لسرد والثاني لشعر في نوعين مختلفين وومتعارضين، فالأول متنوع التكوين والقصيدة ترتكز على عالم الكلمة والبحر الموزون، وبغوص في الزمن ضمن أرض ولدت عليها صداقة كل من الشاعرين وفق تناقضات زمنية لا غد بعدها. أي انحصرت ضمن اللحظة الأولى لصداقتهما. فهل للشعر حدوده المفتوحة على السرد أم أن القصيدة تثير قاعدة التداخل بين الفضاء الشعري والفضاء النثري، وتجعلنا نتساءل عن قوة أساليب التعبير في الشعر وحيوية المعنى المتمرد على الحدود الفنية للقصيدة؟

تتقاطع الانطباعات التعبيرية في القصيدة من عذراء ما خطرت ببال ناصري الى أغانيج النسيم العاطر مع الملاحظات الفنية للقصيدة، وترتبط ارتباطا وثيقا بالذكرى التي تتعشق خلود الفكرة، ليحيط بالفضاء الدلالي مستحضراً الأمس لدنيا جمعتهما، والوقوف بالزمن حيث لا غد بعده، وكانهما في حاضر هو سرد وشعر، وبثنائية تعود للأدب بشكل عام، وقوة اللفظ والمعنى، وبتكريس للمشاعر التي نقلها الصديق الى صديقه، بمؤثرات أدبية أودت بخلق قصيدة «دنياك أمس» وشفافية أرض الميعاد بمجازية الاستحضار لحضور حي بين هنا وهناك «وبعثت أشواقي تغرد ههنا/ وهناك كالشعر الجميل السائر» بتأثير الشعر ههنا والسرد هناك، لتتجرد قيمة التزامن بين التعبير عن هنا وهناك، وبين التسلسل الزمني بين حاضر وأمس، لخلق الانتباهات بموضوعية تضعنا أمام الالتقاء الشعري والسردي، وان بغموض يمنح القدرة على الوصول لتحليلات حيث يميل المعنى هنا ويسيطر الشعر. إذ تظهر بوضوح قدرة الشاعر على خلق قصيدة تروي حكاية صداقة ولدت في أمس ما زال حاضرا، وبقوة واستمرارية الحاضر بعيدا عن غد افترق فيه الأصدقاء. فهل الرسالة تفتح آفاق المحبة بين صديقين ما افترقا في أمس ولا في حاضر؟ وهل قوة القصيدة في المعنى والمبنى هي تحدّ بين شاعر وشاعر؟

جواب رسالة إلى الشاعر الصديق جبران بارودي.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *