زيارة الفاتيكان

Views: 533

خليل الخوري

 

هل تكون زيارة الرئيس المكلّف سعد الحريري، إلى الفاتيكان، الأكثر جدوى وفاعلية في مسار تأليف الحكومة، الذي دخلَ الثلّاجة مع تجميد المبادرة الفرنسية وما رافق ذلك من تهويل أوروبي بفرض عقوبات قاسية على «مُعرقلي التأليف»، وهو التعبير الذي يتكرّر إستخدامه إن على مستوى المجموعة الأوروبية أو على مستوى الدوَل فُرادَى؟

يَطرح السؤال ذاته في ضوء الإهتمام التاريخي بلبنان من قبل حاضرة الفاتيكان التي أعرَبَ جميع بابواتها المتعاقبين على عرشها عن حبّهم لهذا البلد، ومحاولاتهم عبر تاريخه، القديم والحديث، بمدّ اليد إليه في مبادراتٍ بلغَت ذروتها بالمجمع المسكوني من أجل لبنان، الذي أمر به البابا القديس يوحنا بولس الثاني، وانتهى بـ»الإرشاد الرسولي» مُثمّناً صيغة العيش الواحد في لبنان، وداعياً المسيحيين إلى التجذّر في الأرض، وخصوصاً إلى التمسّك بالمصير المُشترَك مع أشقّائهم المسلمين.

وعلى أهميّة العواصم التي زارها الحريري، عربية وأجنبية، فإننا نميل إلى الإعتقاد بأنّ لزيارة الفاتيكان وقعاً مُختلفاً، ليس فقط من حيث المحادثات التي يعقدها مع كبار المسؤولين، ويتوّجها بلقاء مع الأب الأقدس، إنما كذلك لأنّ ثمّة إجماعاً لبنانياً على أنه ليس لدولة الفاتيكان أيّ أهداف أو مطامع في بلدنا… فقط لديها قرار وسعيٌ دائمان لدعم هذا الوطن الصغير، الكبير في تنوّعه وفلسفة كيانه، وفرادته في المنطقة وفي العالم قاطبةً، خصوصاً من حيث تركيبته التي هي نسيج وحدِها، فلا مثيل لها في أي بلد آخر من زوايا المعمورة الأربع.

والعلاقات بين لبنان والفاتيكان بدأت في الرسالة التاريخية التي أرسلها رهبان «بيت مارون» (أو دير مار مارون) على النهر العاصي، إلى البابا هراميداس سنة 517 م.، وعلى إثرها تطوّرت العلاقة وصار للحبر الأعظم قُصّاد موفَدون ونوّاب رسوليون، والقاصد الرسولي يحمل تسمية سفير وهو في لبنان رئيس تجمّع السفراء الأجانب منذ عقود وحتى اليوم، وبالذات منذ الإستقلال. وتمّ تبادل التمثيل الديبلوماسي بين الجانبين، بشكله المعروف حالياً، في العهد الإستقلالي الأول مع الرئيس الشيخ بشارة خليل الخوري.

ولقد دعَم الفاتيكان بقوّة إستقلال لبنان وآزر قضاياه في المحافل الدولية كافة، كما دعَم القضية العربية الأولى، قضية فلسطين. وقد لا يعرف الكثيرون أنّ الفاتيكان لم يعترف بإسرائيل، ومعه الدول الكاثوليكية في العالم مثل إسبانيا ودول أميركا الجنوبية واللاتينية، إلا بعد أن اعترف بها ياسر عرفات نفسه.

صحيح أن ليس للفاتيكان جيوشاً جرّارة، وأسلحة دمار، وطائرات ودبابات ومدافع وصواريخ، إنما لديه سلاحان ماضيان أوّلهما إحترام العالم له وثانيهما حبّه للبنان الذي هو في المفهوم الديني «وقف الله» والذي ورَد إسمه في التوراة أكثر من سبعين مرّة.

وعلى أمل أن تؤدي زيارة الحريري هذه إلى حلحلة عندنا في الداخل.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *