رحيل الزميل الآدمي

خليل الخوري

أمس، استسلم الزميل جورج نديم العشي إلى بطش فيروس كوفيد-19 الذي خطفه من أسرته ومحبّيه وأصدقائه، مخلّفاً لوعة وحزناً وفراغاً.

عرفت الفقيد العزيز الراحل منذ سنوات طويلة، فعرفت فيه الصدق والأمانة والنبل والالتزام المهني الحقيقي.

كان جورج من اكثر الناس وفاء، ومن الزملاء الذين يسهرون على عملهم بحرفية ومهنية ممتازة. كان يراسل « الشرق» من المنطقة الحدودية الجنوبية، فلم يتخلّف يوماً واحداً عن تحمّل المسؤولية والقيام بالواجب تحت أي عارض صحي أو ظرف طارئ.

كان بسيطاً في تعامله مع الناس، بساطة الصدق والمحبة، والعلاقات مع الآخرين الذين نسج معهم شبكة واسعة، فحظي بثقتهم كما اكتسب ثقة قيادة القوات الدولية في المنطقة، وقال لي قيادي كبير فيها ذات يوم: أهنئكم على هذا المراسل المجتهد الذي يُقدّس مهنته ويُمارسها بأمانة مشهودة، ويتعامل معنا بكرامة.

جورج، الذي لم يسمح للصعوبات أن تعترض طريقه، ولا للعقبات أن تعرقله، ولا للوضع الاقتصادي الصعب أن يُقعده عن متابعة التطورات والأخبار والمستجدات، رمى سلاحه مُكرهاً أمام الجائحة الملعونة قاطعةً نشاطاً كان لا يزال واعِداً بالكثير…

عمل الراحل العزيز في «الشرق» وغير صحيفة وقناة تلفزيونية، وكان مرجعاً، موثوقاً للمراسلين الأجانب الذين كثيراً ما يقصدونه عندما يتوجهون إلى الجنوب خصوصاً زمن تكون تلك الساحة مُشتعلةً، ويجدون فيه مصدراً دقيقاً، صادقاً، للمعلومة من دون أي مبالغة أو مجافاة الحقيقة.

وبعد، سرقت جائحة كورونا منا أصدقاء ومعارف وأحباء وأعزّاء وزملاء. وفي كل مرة كنا نتألّم ونستعيد مراحل من قوافل الراحلين جراء الموت المجاني الذي ضرب في العالم كله. ولم يكن في يدنا سوى اللجوء إلى العناية الإلهية عسى ربّ العالمين يرفع البلاء عن الناس، فيضع حداً، بمشيئته الإلهية، لهذه المحنة القاسية. وها نحن اليوم نستجيرُ به، عزّ وجلّ أن يُلاشي هذا الفيروس وسواه من الأوبئة والجائحات وسائر الأمراض القاتلة. ونُعلن سلفاً إيمانناً المطلق وخضوعنا التام لإرادته…

أعود إلى الزميل العزيز جورج مُخاطباً روحه الطاهرة: رحمك الله رحمات واسعة أيها العزيز الذي خطفك منا كورونا، ولتكن نفسك في أخداره السماوية إلى جوار الصالحين قدر ما تحلّيت به من أخلاق وآدمية، وأحرّ العزاء إلى أسرتك وسائر ذويك، وليكن القديس جاورجيوس، وقد غادرتَ هذه الدنيا يوم عيده، شفيعك في السماء كما كان على الأرض.