رؤية الإصلاح الاجتماعي (لبنان 2021 – 2030)

Views: 897

د. موزة عبيد غباش

(ديوان أهل القلم)

من المتفق عليه أنه لا يمكن اجراء إصلاحات اجتماعية عموما دون ارتباطها بإصلاحات سياسية واقتصادية. وفي لبنان على وجه التحديد عانت الدولة سنوات طويلة من الحرب الأهلية التي مزقت النسيج الاجتماعي، وتعاني أيضا من منظومات سياسية دفعت بشكل أو بآخر إلى ظهور الفساد السياسي والإداري والذي سيظل يقف عائقا صلبا أمام أي محاولة لعمليات الاصلاح الاجتماعي.

من جانب آخر، وبالموائمة بين نظريات الإصلاح الاجتماعي الفعالة والواقع الحقيقي لتطبيقاتها في لبنان، يظهر اتجاهان أساسيان: الأول من الأعلى، وينظر إلى الحاجة الى اصلاح أو تعديل اللوائح والقوانين والتشريعات التي تمس الهياكل الاجتماعية وتغوص عميقا في مفرداتها. والثاني ينظر إلى أهمية الإصلاح الاجتماعي من الأسفل إلى الأعلى بالبحث في الخلل الاجتماعي القائم على الفقر والبطالة وكذلك النزاع الطائفي الاجتماعي الذي بات جزءا من هوية الفرد والأسرة اللبنانية.

من دون شروحات يعلمها الجميع، فإن أهم مقومات الإصلاح في لبنان هي معالجة الدين العام الذي يستنزف موارد الدولة ويشكل العبء الأكبر على عاتقها ويمنع تقديم البنى التحتية والخدمات التي يحتاجها المواطن اللبناني ويحتاج الى وجود سياسة جديدة تضع خطة ورؤية لإدارة الدين العام من خلال الحد من المخاطر وزيادة حصة الاستثمار وغيرها من التدابير الضرورية مثل اصلاح السياسات المالية وتنمية القطاع الخاص وإعادة تأهيل البنى التحتية في مجال الطاقة والاستكشاف عن النفط والغاز في المياه اللبنانية وفي مجال النقل والمياه والصرف الصحي والبيئة والاتصالا ت وغيرها.

وسواء كانت الرؤية العامة للإصلاح الاجتماعي هي المعالجة من الأدنى إلى الأعلى أو بالعكس أو كلاهما، فإن أهم ما يجب حسمه قبل وضع “الخطة الشاملة للإصلاح الاجتماعي في لبنان” هو اتفاق الفئات اللبنانية (السياسية والاجتماعية والاقتصادية) على وضع خريطة طريق جديدة توضح السياسات الاجتماعية في لبنان وأن يكون هذا المحور هو المحور الأساس الذي تنطلق منه خطة الإصلاح وتنفيذها وتقييمها وأن تتم إعادة قراءة تلك السياسات وصياغتها في ضوء الواقع الحالي، والإمكانات المتاحة، والتحديات الحالية، والمقبلة.

وكما لاحظنا فإن البرنامج الحكومي اللبناني المقدم لمؤتمر باريس كان يطالب بالدعم المالي على أساس أن اصلاح القطاع الاجتماعي وتخفيض التفاوت المناطقي وتحسين المؤشرات الاجتماعية هو أحد أهم بنود البرنامج التي قد تساهم في تحسين الخدمات الاجتماعية بتوسيع قاعدة ونطاق نظم الرعاية والاعانات النقدية في المحاولة لتقليل نسبة الفقر والبطالة أو ما يسمى بـ “تحسين شبكة الرعاية الاجتماعية” التي تنفذها وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن ذلك يتضارب بطريقة أو بأخرى مع أي خطط مطروحة لترشيد الانفاق الحكومي وخفض العجز وتقليص الدين العام والذي قد يجعل من كبار المانحين كالبنك الدولي والمفوضية الأوروبية محاولة إيجاد الطرق والوسائل البديلة لتحسين شبكة الرعاية الاجتماعية دون المساس بالخطط

المتبعة لترشيد الانفاق الحكومي حاليا ومستقبلا.

بعد الحرب العالمية الثانية، وعندما دفع التوسع السريع في الخدمات العامة الرئيسية الاهتمام في “دولة الرفاهية” الناشئة. في أيامها الأولى، كانت السياسات الاجتماعية، موجهة في المقام الأول، حسب تقرير ويليام بيفريدج، كبير المهندسين المعماريين لدولة الرفاهية البريطانية، نحو “العمالقة الخمسة”، وهؤلاء العمالقة هم الفقر وسوء الصحة، وسوء الإسكان، وقلة التعليم، والبطالة. بالنسبة إلى بيفريدج، كانت معالجة هذه العلل الاجتماعية جزءًا أساسيًا من إعادة الإعمار بعد الحرب. وشكّل نشر الخدمات لمعالجة هذه العلل الاجتماعية تحولًا واضحًا في المواطنة الاجتماعية. وكان من الطبيعي أن يحول مجموعة جديدة من العلماء انتباههم إلى هذا الجانب المهم من سياسة الحكومة، ومع ذلك، على مدار فترة ما بعد الحرب، بدأ محللو

السياسة الاجتماعية في تحديد الثغرات في حالة الرفاه بل وسلط البعض الضوء على كيفية استمرار الفقر وسط ذلك العمل الكثير، وهذا ما يحدث تقريبا في لبنان، لذلك فإن هذا التقرير يقترح مبدئيا التركيز على “العمالقة الخمسة اللبنانية ” ويسعى في الوقت ذاته لإيجاد صيغة ورؤية علمية واقعية تضمن الإصلاح الاجتماعي الشامل تتخطى وتتجاوز معوقات النزاع الطبقي والفساد وترشيد الانفاق الحكومي من خلال وضع سياسات اجتماعية صلبة تتفق الفئات بمختلف أنواعها عليها ويبدأ تنفيذها بمعزل عن نجاح الخططالأخرى السياسية أو الاقتصادية وغيرها .

الطريق نحو وضع خطة للسياسات الاجتماعية يبدأ بعقد “منتدى الإصلاح الاجتماعي في لبنان” والذي يضم ممثلين عن كافة الجهات والفئات المعنية إضافة الى علماء الاجتماع والمختصين ودعوة ضيوف من الجهات الدولية لمناقشة وإقرار خطة شاملة للسياسات الاجتماعية التي يتطلبها الواقع الاجتماعي مثل تعديل كافة التشريعات والقوانين واللوائح والقرارات التي تسببت في خلل الهياكل والنظم الاجتماعية كقانون الأحوال

الشخصية وغيره، بحيث تصبح كلها خالية من أي إشارة دينية أو طائفية أو عرقية، وكذلك المساواة والتوازن بين الرجل والمرأة والقضاء على كافة اشكال التمييز، إضافة الى حقوق الطفل وأصحاب الهمم وكذلك تحديثها بحيث يتولى تنفيذها عمليا وقضائيا أشخاص اصلاحيون معتدلون وغير دينيين أو طائفيين، والذي سيؤدي قطعا إلى تهيئة المجتمع اللبناني مستقبلا لانتخاب هيئات تشريعية مؤهلة وعادلة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *