بتستاهلوا
خليل الخوري
نستبعد أن يكون لبنان عرَفَ، في تاريخه، وبالذات منذ الإستقلال إلى اليوم، مرحلةً شديدة القساوة ضارية الخطورة مثل التي نعيشها، فلا نسمةٌ واحدةٌ مُنعشةٌ فيها، فقط لهيبٌ يأخذ بلهيب، وأزمةً تأخذ بخناق أزمات، وإنهيار من دون قعر.
إستعدنا ذات عجالَة القول الشهير للصحافي الكبير المرحوم رشدي المعلوف الذي كتبَ في مقالٍ إفتتاحي، في ستينات القرن الماضي: «ما عدنا نخشى السقوط لأنه لم يعد تحتَنا تحتٌ». وهذا الكلام كُتِب في عزّ حقبة الإزدهار. فأيّ توصيفٍ لوضعنا اليوم، الذي هو «تحت التاحِتين» كما يُقال؟! إلا أنّ «المعجزة اللبنانية» التي لطالما تحدّثوا عنها وآمنّا بها، باتت معكوسة. فمن معجزة النهوض والتغلّب على الأزمات، وإيجاد كوّة أمل في النفق المُظلِم، والقدرة على خرق المأزق… إلى أن صِرنا مضربَ مثلٍ في اختراع عُمقٍ للعمق، وتحتٍ للتحت… و»ننجح» في ضرب الرقم القياسي في التهوّر والإنحدار، بل ونبتكرهما حيثُ لا يوجَدان.
تلك واحدةٌ من «معجزات» هذا الطاقم السياسي المفياوي بمعظمه الذي قلّما وجدنا له مثيلاً في أكثر بلدان العالم فساداً وتعاسةً وتخلّفاً وفشلاً. فالقوم لا يخجلون من أي إرتكاب، ولا يرفّ لهم جفن أمام أي مُصيبة وكارثة ونكبة. إنهم نسيجُ وحدهم في تركيبة غريبة عجيبة، لو تعمّدنا أن يتواجدوا، معاً، في أيّ مجتمع لفشلنا في تحقيق ذلك. إلا أنهم متواجدون عندنا. هم «مسطرة» غير مألوفة:
إذا قُلتَ للمرتكب بينهم: أنتَ مُرتكِب، ضحكَ منكَ وعليك واتّهمكَ بالغباء، وأمعنَ في الإرتكاب ما طابَ له، ودافع عمّا ارتكبه في حقّ البلاد والعباد.
وإذا قُلتَ للكاذب بينهم: أنتَ كذّاب، إتّهمك بالسذاجة، واعتبرَ الكذب فذلكة وبراعة.
وإذا قُلتَ للفاسد بينهم: أنتَ فاسد، سخِر منكَ وقال لك (جلّ قدركَ): أنت حمار. مُضيفاً أنا من يُحارب الفساد.
وإذا قُلتَ للسارق بينهم: أنت لصّ، رماكَ بالغباء وراح يُفلسِف اللصوصية وكأنها فضيلة يُمارسها، ونعمة يُغدق بها عليك، فهو يسرق من أجل الناس المساكين، ومن أجلهم يُضحّي، لإسعادهم وهنائهم ونهِب آخر قرش من جيوبهم.
إنهم، فعلاً، يستغبون الناس عن حقّ وحقيق. وإنهم لعلى صواب. أليس أنّ الرعايا يتشاتمون ويتقاتلون ويتبادلون امتهان كرامة بعضهم البعض، ويقيمون العداوات في ما بينهم، ويتحوّلون إلى ذباب إلكتروني، دفاعاً عن الكذَبة والمُرتكبين واللصوص والفاسدين وسائر آل مافيا؟!
