جودت حيدر… شكسبير العرب

Views: 98

وفيق غريزي

 حمل لبنان وعبير ترابه، عبر البحار الى اطراف الارض، فكان طير الأرض والبحر الغرّيد، غنّاهما، استوحى من الأولى الوفاء ورحابة الصدر، والكرم والثبات في الموقف وقول الحق، ومن الثاني اغترف اللؤلؤ، تمرّس بالجزالة، وغرف من اصالته حتى الرويّ، فتوسعت آفاقه وتعمَّقت بحوره، وصفت، فأغناها واغتنى بها، فحرّرته وما تزال.

 قليلون هم الذين يضاهون الشاعر جودت حيدر باللغة الانكليزية، حكمة وشمول فكر، ورزانة وعذوبة حضور، فكان الرجل، يكبر على ذاته، مع الأيام، ينضج، يتألف مثل عنقود عنب زحلي، وهو يعي بعمق حقيقة يجهلها او يتجاهلها معظمنا، وخلاصتها أن: “حجم خسائرنا يتضاعف مع كل ساعة افوت من اعمارنا”…

مشوار العمر

ولد جودت فخر الدين في ٢٣ نيسان من عام ١٩٠٥ في مدينة بعلبك، من عائلة كبيرة تعود بجذورها الى قبيلة بني أسد العربية في العراق. في سن الثامنة ترك مدينته بعلبك، بعد وفاة والدته، والتحق بوالده واخوته الذين نفاهم الاتراك الى الاناضول، فعرف طعم النفي والاضطهاد وهو لا يزال في طور الطفولة. وفي عام ١٩١٧ عاد من المنفى، حيث دفع به طموحه الى متابعة الانكليزية، فدخل في الصف الأول للعام الدراسي (١٩١٨ – ١٩١٩ ) وتلقى علوم الجبر والهندسة على يد العالم حسن كامل الصباح، الذي ترك في نفسه ابلغ الاثر. ثم انتقل الى باريس للتخصص في الهندسة الزراعية ومنها سافر عام ١٩٢٥ الى الولايات المتحدة الاميركية ليدرس الزراعة فًي احدى جامعات تكساس. ومن الزراعة تحوّل الى دراسة التربية والتعليم عام ١٩٢٨. واثر عودته الى الوطن الأم، عمل مديرا للجامعة اللبنانية في مدينة عاليه، ومنها انتقل الى كلية النجاح في نابلس – فلسطين، بناء على دعوة مفتي القدس الحاج أمين الحسيني. وفي عام ١٩٣١ عمل في شركة نفط العراق معاونًا لمدير التوظيف في طرابلس – لبنان…

 

 قسوة الحياة

كان الدهر قاسيا على الشاعر جودت حيدر، حيث خطف منه اقرب الاحباء: والدته ووالده واخواته وزوجته وابنه الوحيد بسّام. وكان صبورًا على هذه المصائب المتلاحقة فقال: “صبرت وشربت الصبر وأنا صابر في حديقة الصبر، ومن اتاني يراني كالزمان صابرًا على صبري”. استهواه الشعر وهو تلميذ في الجامعة الاميركية وكان يلتقي بعض شعراء وادباء ذلك العصر من امثال: معروف الرصافي، فوزي المعلوف، وماري عجمي. (flossdental.com) واثناء وجوده في تكساس بداً يكتب الشعر باللغة الانكليزية. ومنذ العام ١٩٦٠ تفرّغ للشعر، فترك الوظيفة في شركة نفط العراق.

 في اواخر عام ١٩٧٩، اتصل بدار نشر في نيويورك طالبا نشر اول ديوان شعر له بعنوان “اصوات”، وتبصر هذا الديوان النور عام ١٩٨٠، ثم صدر له ديوان “اصداء” عام ١٩٨٦، وتلاه ديوان ثالث بعنوان “ظلال”. 

وقال الشاعر عمر ابو ريشة: “في شعر جودت حيدر قصائد ذخيرة عطاء ابداعي نادر”.

 الشعر عند جودت حيدر، يبدأ بلمعة وينتهي بعبرة. وفي ظلاله عودة الى الشباب واحتفال بعهود مضت وتركت بصماتها على تراب السليقة، إنها خبرة السنين، مخر خلالها عباب الاختبار وما زال ينقب ويبحث كي يغني حياتنا بلغته الانكليزية الراقية المعبرة، ويطلق اشرعته موسيقى خالدة متينة بابعادها.. وسموّها. وفي عام ١٩٩٥ اسس في البقاع تجمعًا ادبيًا يحمل اسم “واحة الأدب في البقاع”….

مكانته

ملأ جودت حيدر الدنيا وشغل الناس، عاش حياته بكل مراميها وابعادها وافاقها. جادًا في اغلب الاحيان، مازحًا يوم يكون المزاج جميلا، ويكون الحضور اصدقاء يعرف فيهم الصدق والاخلاص، وقال فيه الدكتور روحي البعلبكي: “واحد من كوكبة متاًلقة من الشعراء والادباء اللبنانيين الذين ذاع صيتهم في البلاد الناطقة باللغة الانكليزية من امثال: جبران ونعيمة والريحاني. كتب في جميع الموضوعات، فهذا الشعر الشامل استحق عليه لقب شكسبير العرب. له رؤى ولغة تدعمها، ناضج الفكر متاًلق الصياغة…”.

 والشعر لدى جودت حيدر اسمى الغايات والاهداف: “حبذا سلم نرقى به الشعر الى السماء نخط على راية الدهر اسماء هؤلاء الابطال من جعلوا جسومهم سلاحا ليموتوا، ليحيوا!!”…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *