جبران خليل جبران في تسعينية وفاته… أين نحن من صفائه وتبصّره؟

Views: 376

أنطوان يزبك

تسعون سنة مرّت على وفاة جبران خليل جبران في 10 أبريل 1931، تسعون تبدلت خلالها تقاليد وتغيّرت أعراف، ونزحت أخلاق الناس كما تنزح الشعوب من بلد إلى آخر ومن قارة إلى أخرى، وخاصة في العلاقات بين النساء والرجال التي تحوّلت إلى علاقات ملتبسة، شائكة، مؤلمة، تشبه إلى حدّ بعيد الحروب الضارية بين شعوب متنازعة على الخيرات والثروات والمراعي والكلأ!

إن الصراع الكامن بين الرجل والمرأة عرّاه جبران من كل أدبه ووصفه بدقّة متناهية واستحق عن جدارة لقب محلل نفسي أو عالم في سيكولوجيا العشق ومن أقواله في هذا الصدد: 

“تسلك المرأة طريق العبيد لتسود الرجل، ويسلك الرجل طريق الأسياد لتستعبده المرأة”. 

جبران خليل جبران

 

وهو بذلك يوضح أن العلاقة الغرامية هي قبل كل شيء علاقة صراعية تؤدي في النهاية إلى استعباد النساء للرجال أو العكس في مماحكة وعراك أشبه بمباراة للمصارعة الحرة، ذلك أن البشر، في الحقيقة، كائنات وحشية لا همّ لها سوى السيطرة والاستعباد!

ومن يراقب ولع الجيل الجديد بالمسلسلات التلفزيونية والأفلام الرائجة، يلاحظ وجود هذه المعادلة التي تبرز الغراميات والحب في إطار من الخيال الجامح البعيد كل البعد عن الواقع والحقيقة الخالصة، فتأخذ المسلسلات الدرامية المتفرجين إلى مكان ينأى عن تكوين الفكر بشكل صحيح ويؤثر على النضج الفكري والشخصي واكتمال الشخصية وبلوغ الإدراك. 

هكذا حلّل جبران نفوس الناس، وتعمق في دراسة تقاليد المجتمع وركز خصوصًا على أوهام الحب وما تترك في نفس العاشق  من آثار سلبية، فها هو يقول في أمر الخيبة التي تصاب بها المرأة في “الأرواح المتمرّدة” وتحديدًا في قصة “وردة الهاني”: 

“وما أتعس المرأة التي تستيقظ من غفلة الشبيبة فتجد ذاتها في منزل رجل يغمرها بأمواله وعطاياه ويسربلها بالتكريم والمؤانسة ولكنّه لا يقدر أن يلامس قلبها بشعلة الحب المحيية، ولا يستطيع أن يشبع روحها من الخمرة السماوية التي يسكبها الله من عيني الرجل في قلب المرأة”. 

بريشة جبران خليل جبران

 

لقد اصاب جبران في تشخيص داء الأحلام التي تعد ولا تفي بوعدها، وكم من حبيبة نامت على خيال الحب وما صوّرته لها الأحلام والروايات الغرامية، لتستيقظ على واقع مرير وحياة ظالمة تسكنها أشباح الخوف، ووحوش الكآبة التي تلتهم الروح وتفني الجسد الواهي المتلاشي بفعل القهر والمعاناة!..

كما نقرأ في مكان آخر من قصة “وردة الهاني”: “وهكذا نجد المرأة في تلك الأيام خائفة إذا اتبعت شهوة قلبها وهجرت الرجل الذي جعلها سيّدة في منزله، يقولون لك هي زانية عاهرة قد أتلفت بمقابضها القذرة إكليل الزواج المقدّس الذي ضفرته الديانة واتخذت إكليلا وسخًا محبوكًا من أشواك الجحيم وألقت عن جسدها ثوب الفضيلة وارتدت لباس الإثم والعار”. 

لقد عرّى جبران هذا المجتمع وأظهر ازدواجية الطبيعة بين الطهر والإثم، الفضيلة والرذيلة، النور والظلام، وكذلك أظهر الإجحاف الكبير بحق المرأة وكم تتعرّض من مظالم في حال أحبّت، أمّا الرجل فما هو دوره في كلّ ذلك، يبدو أنه شاهد زور أو شيطان أخرس لا أكثر ولا أقلّ!!..

إن التعبير عما نعانيه يشتدّ صعوبة فما من فلسفة أو تحليل أو وعي أو معرفة قريبة من الإنسان، تستطيع أن تفسّر عمق التجربة او المعاناة خاصة في روح المرأة ونفسها المتعطشة للحب ومشاركة هذا الحب مع الرجل الآخر، يبقى السؤال هل يظلّ هذا الرجل على الضفة الأخرى أم ينخرط في مشروع العشق كما تصوّره جبران وتخيّله عشقًا ساميًا متجاوزًا وقاهرًا لكل ما هو أرضي ورمادي؟ 

بريشة جبران خليل جبران

 

وكذلك يقول جبران في “الأرواح المتمرّدة” في مقالة “صراخ القبور”: 

“ومن رجم هذه الزانية؟ أنسّاك طاهرون أتوا من صوامعهم أم بشر يأتون المنكرات ويفعلون الرذائل مختبئين بستائر الظلام؟!

الشريعة-وما هي الشريعة؟ من رآها نازلة مع نور الشمس من أعماق السماء؟ وأي بشري رأى قلب الله فعلم مشيئته في البشر؟ وفي أي الأجيال سار الملائكة بين الناس قائلين: أحرموا الضعفاء نور الحياة، وأفنوا الساقطين بحدّ السيف، ودوسوا الخطأة بأقدام من حديد”. 

في الذكرى التسعين على وفاة جبران خليل جبران لا يزال جبران ثائرًا، ولكن يبدو أن الناس  توقفوا عن قراءته، وأعرضوا عن الدخول إلى عالمه المميّز، ما قاله حول العلاقات بين الجنسين يتفوّق على ما قاله محللون كثر وعلماء نفس، إنه واقع، خبرة ملموسة تشبه إلى حد كبير ما عاشه جبران واختبره في علاقاته النسائية الإشكالية المتعدّدة. 

ختامًا يقول دوستويفسكي: 

“إن الذي يحبّ أكثر هو الذي يتحمّل الآلام أكثر، ويعكس على ذاته كل الأخطاء، وينسبها إليه”. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *