أم عوني

Views: 338

خليل الخوري 

 

لعلّ الفقيدة الكبيرة المرحومة حنّة فارس أرملة المرحوم خيري الكعكي هي آخر ذلك الجيل من الصحافيين والصحافيات الذين كانت لهم الباع الطولى في مهنة البحث عن المتاعب، وهي كانت في طليعة السيدات الرائدات اللواتي عايَشنَ المهنة تأسيساً ثمّ إشرافاً ومن ثمّ مواكبةً.

كانت حنّة فارس إمرأة صالحة بكلّ ما للكلمة من معنى، فهي التي أسّست، في مقتبل شبابها، مجلّة «المرأة والفنّ» التي زيّنت غلافها الأوّل بلوحة للرسّام اللبناني العالمي، المعلّم قيصر الجميّل. وبما أنّ الكلام عن الأوائل، فقد أخبرَنا شاعر لبنان الراحل الكبير سعيد عقل أنه كتب في العدد الأوّل من جريدة «الشرق» التي إنصرفَت السيدة حنّة إلى الإشراف عليها إثر وفاة زوجها وهو في عز شبابه، والتي كان قد أنشأها المرحوم عوني الكعكي الجد وتابع المسيرة نجله المرحوم خيري فالحفيدان العزيزان نقيب الصحافة الأستاذ عوني وشقيقه الأستاذ مُعين. وقد آلت إليهما المسؤولية وهما في ريعان الشباب، لتبقى «الشرق» حتى اليوم، أعرق صحيفة مستمرّة في الصدور منذ العام 1926، أي نحو 95 سنة… وإلى المزيد بإذن اللّه.

عندما «تمّ النصيب» بين الشابة المارونية حنّة الآتية من بلدة بشعلي الرائعة والمميزة في بلاد البترون، والشاب خيري الكعكي المسلم السنّي البيروتي، توافق الحبيبان على أن تبقى العروس على إيمانها المسيحي. وتلك ظاهرة في ذلك الحين. ولقد عاشت حنّة إيمانها بالممارسة الفعلية: فلم تتأخّر عن صلاة، ولم تفطر عن صيام، ولم تتخلّف عن قدّاس الأحد والإعتراف والمناولة، والمشاركة في جميع المناسبات الروحية، إلى أن أقعدها وضعها الصحي في الآونة الأخيرة، وهي بكامل وعيها وإدراكها. علماً أنها إبنة الأسرة المؤمنة المواظبة وشقيقة الراهبة التي تنتمي إلى إحدى أشدّ الرهبنات إلتزاماً وتوجّداً لله (كلاريس فرنسا).

عرفتُ الفقيدة الفاضلة منذ سنوات طويلة، فقدّرت فيها المزايا الكثيرة، إلى ما عاينتُه عن أعمال الخير التي أدّتها بفرح وفق القاعدة الذهبية التي علّمنا إيّاها السيّد المسيح: «فلا تدري يسراكم بما فعلت يمناكم».

كانت تقرأ مقالاتي يومياً، وكثيراً ما كانت تتّصل بي مُعلّقة على كلمة أو عبارة، ما ينمّ عن أنها مُتابِعة واعية التطوّرات التي أقلقتها كثيراً خصوصاً أوضاع لبنان العامّة وهي التي عرفتهُ وطن الإزدهار والريادة والإنفتاح.

ليت هذه العجالة تتّسع أكثر للإضاءة على مزيد من مراحل حياة الفقيدة ونضالها الطويل في مسيرتها المهنية والعائلية. وأودّ أن أختم بتقديم أحرّ العزاء إلى نجلَيها الزميلَين العزيزَين عوني ومعين وشقيقتهما السيدة هدى وعائلاتهم مُنوّهاً ببرّهم بها وإحاطتهم إياها بالعناية الكاملة والواجب البنوي، كما أتقدّم من سائر ذويها الكرام بالعزاء والدعاء بالصبر والسلوان.

أما أنتِ يا أم عوني فإلى أحضان أمنا مريم.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *