ملاكٌ في السّماء
لودي جورج الحدّاد
( أصغر ضحية في انفجار بيروت، ألكسندرا نجّار)

*
أنا لا أعي
لماذا تُضرم النِّيرانُ في الأرضِ،
تتزلزلُ أفراحُ المدنِ،
ويهطلُ اللّهبُ الأسودُ مع السَّحاب،
ثمّ يدوِّي عويلُ الثَّكالى
في أرجاءِ اليبابِ والدُّخان ؟!
أنا لم أدرك بعدُ،
معنى أسوارِ الوطن،
قدسيَّةَ ألوانِ العلم،
بريقَ ياقوتِ البحار
سحرَ لآلئِ الجبال،
ولماذا تُدمَّر الصُّروح،
وتُحرق بيارقُ الشُّطآن؟!
أنا أبحثُ عن أمِّي ولا أجدُها،
وقد تعفَّرت أحداقي بينَ الرُّكام،
أسمعُ صهيلَ أبي يتهدَّجُ،
يناديني يتأوَّهُ ويتلوَّعُ،
ثم يضيعُ صراخُهِ ويضمحلُّ،
بين ضبابِ الغبارِ والازدحام…
أين عصفورتي التي رسمتُها؟!
أين لعبتي التي حضنتني وقبَّلتها؟!
لقد تشرذمَت أنغامُ سريري،
تمزَّقت حكاياتُ غرفتي،
تاهت أحلامُ النَّوافذ
وانطفأت مصابيحُ الجدران…
من مزَّق أوشحةَ الهدأةِ
ومن رماني عالياً
أتيهُ مع أجنحةِ اللامكان؟!
أوَّاهُ… أوَّاه…!!
تحتَ سيولِ أدمعي أشلاءٌ مضمَّخةٌ بالدِّماء،
وفوقَ ارتجاف وجلي بحيراتٌ من لؤلؤٍ وبلُّور،
أكفٌّ راحتَيها من صلواتٍ تحملني وتطير،
تُلبسني أثواباً من لُجينٍ وثلجٍ ونور..
شموسٌ وأقمارٌ وسديمٌ حدودُهُ اللَّاحدود،
أصداءٌ من مطرٍ تندهني،
ووجه ملامِحُهُ الشُّعاع،
كأنما قد فاضَ ضياءٌ على الضِّياء،
يخاطبني ويقول: ” أيَّتها الملاكُ الصَّغير،
أبحري في رحابِ لَدُني،
فلقد فُتحت لكِ واحاتُ السَّماء،
فمن هنا ينثالُ الثَّواب،
ومن هنا يهطلُ العقاب،
من هنا تمتعضُ الفُصول،
ترتعدُ مداميكُ الدُّهور،
ويشتعلُ الليل في سرائرِ السَّفاكين،
تتفجَّرُ فوَّهات البراكين،
تقضُّ مضاجعَهم الواهية،
تسري في أجوافِهم الخاوية ،
تصدعُ وتمورُ في ضمائرِهم الصَّماء،
ويحهم ثمَ ويحهم…
من زمجرةِ الغضبِ،
ومن استعارِ رمالِ البيداء،
تحتَ أقدامِهم العاريةِ الجوفاء…!!!”
إهدأي أيّتُها الأرضُ،
ففي كنفِ الله،
لن يموتَ حقٌ،
لن يبكيَ ملاكٌ،
لن يخيبَ رجاءٌ ،
ولن تُردَّ شكاوَى المظلومين الضُّعفاء،
ويلَكم… ويلكم… أيُّها القتلةُ الجُبناء…!!!