صديقة لا حبيبة!

Views: 790

  زياد كاج

 هل الصداقة ممكنة بين الرجل والمرأة ؟ وبالتحديد في العالم العربي الخاضع لمفاهيم وقوالب وقيم دينية وتقليدية متوارثة يصعب، بل يستحيل، الخروج منها أو حتى الانقلاب عليها الا في حالات استثنائية جداً وفردية. وحتى في حضارة الغرب، لا يزال هذا السؤال إشكالياً بين من ” قطفت التفاحة” ومن “أكل منها”.

   الموضوع ليس مستحيلاً بين قطبين مكملين لبعضهما البعض بينهما عوامل جذب قاهرة: كالجنس والعاطفة والإعجاب وحاجة الضد للضد. “حقل مغنطيسي” يشتد ويقوى كلما اقترب ذكر من اُنثى . فكل تعارف (على الأقل في شرقنا) هو احتمال علاقة. ولهذه الظاهرة أسباب نفسية واحتماعية وتراكمات تاريخية وسلوكيات نمطيّة تستوجب البحث المعمّق. لماذا ينظر الرجل الشرقي الى المرأة عموماً—عن وعي أو بدونه—نظرة مادية جنسية سهلة المنال—ولو بالخيال؟

   كانت لي صداقة أيام الجامعة مع زميلة (…)؛ وكنّا سعداء في عالم صداقتنا الخاص الذي جذب اهتمام الزملاء والزميلات، فصرنا مادة دسمة للأحاديث والثرثرات. ” مكمّلين بعض… ولايقين”. بقيت   دائرة صداقتنا عصية على الفهم    في  بيئة أواسط الثمانيات التي كانت تشهد تحولات اجتماعية وسياسية وإيديولوجية. كانت بيننا جلسات مصارحة ومكاشفة شفافة وتبادل “خبرات”. معها تعرفت الى الجانب الآخر من المرأة وهي أيضاً استفادت مني. كنا أبناء منطقة واحدة، وننتمي إلأى اليسار، وكلانا من برج الثور، ونتمتع بروح السخرية والدعابة مع ميل الى المغامرة لدرجة التهور في مواجهة تيارات طائفة صاعدة. توهمنا إمكان تغيير الواقع؛ فعشنا لذة التحدي والفشل.

   كنت غارقاً في حب “شيكسبيري” وهي كانت تبحث عن حب في علاقات عابرة. “ثائرة بلا قضية”. كانت لنا جلساتنا المطولة امام صخرة الروشة ونحن نحتسي البيرة الوطنية، نراقب غروب الشمس، وننظّر في أحوال البلد والحركة الوطنية، ونردد أغاني الشيخ إمام ونغني للسنديانة الحمراء والشمس الحمراء، والقادة الشيوعيون يُغتالون الواحد تلو الآخر! ( متل يلي رايح ع الحج والناس راجعة).

   كانت لنا معاً مناسبات ولقاءات مميزة: جلسة عشاء في مطعم بيتزا مشهور في منطقة الروشة مع كأس نبيذ بحضور حبيبتي وحبيبها “المستورد حديثاً” . خلال ذلك العشاء، كنت أنا وصديقتي في حالة حميمية استثنائية. أمر ما حصل لفت نظر الحضور. لم نتوقف عن الكلام والضحك وشرب الأنخاب. ببساطة “أكل الجو” مع البيتزا والنبيذ ونحن نجلس على مقاعد خشبية قرب شبابيك صغيرة تغطيها برادي قماش باللونين الأبيض والأحمر. لم نترك مقهى أو شارعًا في بيروت والحمرا يعتب علينا.

    لطالما أسديت لها النصح في علاقاتها غير المستقرة؛ وهي بدورها كانت تفعل نفس الشيء حين كنت أشكو لها جفاء “حبيبتي” وقلة مبادرتها.  فحب المرحلة الجامعية ينتهي عادة بعد أو قبل التخرج.

  حصل أمر مفاجئ وسريع وعابر أنهى صداقتنا الجميلة بالضربة القاضية. 

   دخلنا المحظور وتجاوزنا الخط الأحمر الفاصل بين الصداقة والعلاقة بين الرجل والمرأة .   دامت علاقتنا العابرة لأيام معدودة، في حين لو استمرت كانت  صداقتنا     قد عمرت لسنوات. هكذا ، خسرت صديقتي في الجامعة، كما خسرت ثقة حبيبتي. عزّ عليّ أن أخسر صديقة ورفيقة عزيزة  كانت بالنسبة إلي كالمرآة. كسرنا جرّة صداقتنا التي ملأناها مشاعر وصدقًا وتجارب،  في لحظات لا قيمة لها. كانت تجربة قاسية تعلّمنا منها الكثير.

الصداقة بين الرجل والمرأة ممكن أن تكبر وتزهر شرط أن لا نأكل ثمارها.

   ثقافتنا الشرقية -التقليدية العامة تفرض اشكالاً متعددة من الحرمان العاطفي والجنسي. فنحن من جيل، وإن عشنا وكبرنا في مدينة منفتحة كبيروت، الا أن الحرب ومخاطرها الأمنية فرضت علينا سلوكيات كان هاجسها الحفاظ على السلامة والنجاة. كما أننا، كمعظم أبناء جيلنا، افتقدنا  للثقافة ولفرص عيش حياة عاطفية  وجنسية طبيعية. فكنا نلجأ للحيلة والكذب والتحايل على الأهل والمجتمع “النهاري” المتيقظ والمراقب لخوض تجارب نكتشف فيها أنفسنا وعالم الممنوع الغامض. لذلك، وبسبب بناء المجتمع التقليدي والمحافظ لحائط عال وسميك وغير مرئي بين الذكور والإناث، تتحول مع العمر كل فتاة وامرأة الى مشروع علاقة؛ والعكس صحيح ولو بنسبة أقل. ومن منا لم يعانِ من هذا النوع من الحرمان في مراهقته؟ مع الأخذ بعين الاعتبار، أن ثقافة الغرب بما تحتويه من حرية مطلقة لا تناسبنا. فنحن، أهل شرق، نحتاج لثقافة عاطفية جنسية وسطية تأخذ بعين الإعتبار الموروث الثقافي والديني  وتطلعات الشباب والشابات.  ولا يغيب عن بالنا، أن الطروحات والإسقاطات الدينية  على شباب اليوم لم تعد مناسبة بسبب انتشار البطالة والعوامل الآقتصادية الضاغطة التي تمنع الزواج وتأسيس عائلة. فهل نحلم “بحور العين” وبجنس الملائكة في زمن فضاء النت المفتوح؟

   مع تقدمي في العمر والتجربة وجدت أن الصداقة بين الرجل والمرأة ممكنة ، بل هي شيء جميل ومفيد وصحي. شرط أن لا تتخطى الخط الأحمر كما حصل معي أيام الجامعة. المسألة تبقى إشكالية ومعقدة وتحتاج لتقلب أجيال حتى تصبح في الثقافة العامة.

   إذا خسر الرجل صديقة لأجل امرأة، فأنه يخسر المرأة وصديقًا معاً. وأنا خسرت الاثنين في شخص واحد.       

  

  

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *