أرجوحة نوم

Views: 430

د. جان توما

بماذا تفكر قبل أن تترك للمِخدة تَعَبَ تلقّي رأسك المحشو بألف حلم وحلم؟ شاطر ذاك الذي نحت ، بطرافة، من كلمتي: المخّ والخدّ كلمة المِخدّة، على الرغم من أنّ المعجم راح إلى كلمة وسادة وهي من : الوِسَادُ: وهو كلُّ ما يُوضَعُ تحت الرأْس، وإن كان من ترابٍ أَو حِجارة، هنا يصبح الرأس هو الوسادة التي تصير صليب بؤسك، أو عرش مجدك اليوميّ، كالمتنبي الذي كان يملأ وسادته غبارًا من معاركه، بقيادة سيف الدولة، لينام على مجد انتصاراته.

فيما تحدّق بعينيك إلى سقف غرفتك، وجسدك مرمي على سرير، مثقلًا بألف همّ وهمّ، تنشد مع محمود درويش: ” كان لا يتعبني في الليل إلّا صمتها، حين يمتدّ أمام الباب كالشارع… كالحيّ القديم”.

قبل غفوتك، تناديك لوحات الجدران، والضوء من السقف، ومعارج طفولتك، ووجوه من أحببت. تكتشف، في هذا المساء ذاك النداء الخفيّ: أن تعال، اخرج إلى العتمة لترى انفجار نور ما مضى، لتشعر حينها بالرمز والإشارة في قول سعيد عقل: “وقعك فوق السرير مهيب/ كوقع الهنيهة في المطلقِ/ كشلال ورد هوى من عل/ فلا نجم في الأفق لم يشهقِ”.

هذه الهدأة قبل الغفوة استيقاظ لعالمك، وانتباهه إلى ما كان، وإلى ما سيكون. ترتجف شرايينك قبل أن يصمت نبضها ليرتاح القلب المضطرب من خفايا الدنيا وفجائيات العمر.

تتذكر قبل الإغفاءة وجوهًا وأعينًا، ما جعلت حياتك صحارى وظمأ بل واحات وشجر ونخيل. تتذكر المشوار الطويل في ليلك القصير مردّدًا مع عمر الخيام: فما أطال النومُ عمرا/ ولا قصّر في الأعمار طول السهر”.

نَمْ، فعازف الأحلام ينتظرك. احلم قبل أن يجفّفوا منابع الأمل، ويعمّموا مواجع الألم.

اللوحة للفنان حبيب ياغي

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *