وماذا بعد؟!.
خليل الخوري
أشبه بالخيال… بل أشبه بالكابوس المرعب هذا الذي يضغط على حياة اللبنانيين في هذه الأيام الظلماء.
إن أكثر التخيلات سلبية ما كانت لتصل الى جزء جزيء مما نعانيه في مختلف مندرجات مسارنا. ان الانهيار الذي أوصلونا إليه، وهو مستمر ومتواصل من دون حدود، يبين لمن يريد أن يتعظ، أنه نتيجة حتمية للعجز المزمن عن قيام دولة بالمعنى العلمي للدولة.
لقد بنينا مزرعة ولكن حتى من دون أي أسس أو مقومات للمزرعة.
أليس اننا شرعنا القوانين والأنظمة على قياس هذا وذاك وذلك من الذين يقودون القطعان في المزرعة، من دون أي حسبان للقطيع؟
ثم أليس اننا ، حتى عندما نوظف أحد الرعايا، فإنما بهدف «شراء» ولائه وولاء أهله وأقربائه وسائر ذويه وقبيلته من الرعايا؟
من ثم أليس اننا حولنا الرعايا الى إرث يتوارثه الأبناء والأحفاد عن الأجداد والآباء؟
أليس أننا « اشترينا» الأصوات في الانتخابات؟
أليس اننا رشوناهم بالزفت الانتخابي؟
أليس اننا اغتصبنا بحرهم وجوهم بعد اليابسة وطوبناها بأسمائنا بسكوك إلهية؟
أليس اننا تاجرنا بالطائفة والمذهب، وبالكنيسة والجامع، ولعبنا على المشاعر كلها؟
أليس اننا سخرنا القضاء لمصالحنا الذاتية على حساب المزرعة والقطعان؟
أليس اننا استعنا بالشقيق والصديق، بالقريب والبعيد، ضد الآخر في المزرعة؟
أي فرية ولم نعمل؟
أي إثم وخطيئة ولم نرتكب؟
أي جريمة في حق المزرعة والرعايا ولم نقبل عليها بكامل وعينا وإدراكنا؟
أي مشروع حققناه ولم «نسمسر» فيه ؟
أي باب للسرقة ولم نلجه؟
أي فساد ولم نتبار في من يكون بيننا الأكثر فساداً فيه؟
هذا غيض من فيض مما فعلوه بنا طوال أجيال وعقود.
هذا بعض من مكارمهم، اما الباقي فأعظم وأخطر.
وأما الرعايا فليأذنوا لنا أن نقول لهم: بتستاهلوا.
أجل ! إن اللبنانيين أسلسوا القيادة الى هذا النمط من الذين حولوا لبنان الى مزرعة… وأي مزرعة!
وبالتالي استحقوا ما آلت اليه أوضاعهم من انهيار شامل!
أجل! تستحقون، أيها اللبنانيون، ما حل فيكم لينطبق عليكم قول شاعر العرب الأكبر أبي الطيب المتنبي:
«ومن يهن يسهل الهوان عليه/ ما لجرح بميت إيلام»