كمال خير الله: “إنها الحياة… ولكن”

Views: 268

زياد كاج

 

   يتوجه كمال خير الله في باكورته حول خبايا وأسرار عالم التأمين على الحياة : ” إنها الحياة…ولكن” الصادر عن  “دار ريادة، جدة” 2021، الى الطامحين للعمل في هذا المجال. وذلك بأسلوب مباشر، سهل، إنساني، لا يخلو من المواقف الطريفة والنادرة ، وأحياناً، الصادمة.

 هو كتاب ينتمي إلى فئة ” المساعدة الذاتية”؛ وقد ضمّنه الكاتب تجارب وقصصًا شخصية  صاغها بعبارات وجمل  لا تخلو من السخرية والفكاهة عكست شخصيته  وتجربته الغنية في هذه المهنة التي تتطلب الكثير من الصبر والشغف والإبداع والمثابرة.

يشدد كمال خير الله على  أن العمل في مهنة التأمين يتطلب الاستماع الجيد للزبون  والثقة بالنفس؛  وضع رزنامة للعمل، عدم المماطلة و حضور مؤتمرات لتطوير القدرات الذاتية.

العامل الذاتي الذي دفعه للعمل كمستشار تأمين هو رحيل والده المفاجئ والصادم بجلطة دماغية ولم يتجاوز الأربعين من العمر، تاركاً عائلة في حالة عوز وحرمان وأمًا  صلبة متفانية تعمل على ماكينة الخياطة ليل ونهار كي تعيل أولادها. ” ما زلت حتى اليوم، عندما أسمع صوت ماكينة الخياطة، أشعر بحزن شديد وأرغب بضم أمي! ” ( ص 19)

يسخر الكاتب بمرارة من أحوال عائلته المادية ومن أنانية نماذج كثيرة كانت حاضرة في حياة الأسرة: الجد والعم يأكلان الفروج بالسيخ في بيتهما فيما الطفل كمال وعائلته جياع يراقبون، والجار “العم مخايل” يكدّس الكاجو والوسكي على السطح بعد اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975 وينتهي به الأمر بعملية قلب مفتوح… وخبرية الكنافة التي صنعتها الأم من السميد والقطر في عيد الميلاد، وصولاً الى ” باقة الخبيزة” التي صنعتها أمه كهدية لوالدتها في عيد الأم بسبب ضيق الأحوال المادية.”هاي أجمل هدية….أجمل باقة خبيزة شفتها بحياتي!”

 يسرد كمال تجربته الأولى في مجال التأمين، بعد تركه مهنة تعليم مادة الرياضيات، التي علّمته عدم الاستهانة بالناس ( بائع خضار قاده الى رجل أعمال مهم)، لكنه يعترف بخسارته للزبون الثري بسبب سوء فهم على مبلغ المتوجب دفعه ( 2000 دولار بالشهر). “وما رجع حكاني”.. تتكرر هذه العبارات   الساخرة بالعامية كنوع من النقد الذاتي كأننا في حضرة روح زياد الرحباني.

   ” أنا بس بدي أتعرف عليك”  شعار يكرره المؤلف—تمنيت عليه لو أنه اعتمده كعنوان للكتاب؛فهو الجملة -المفتاح التي اكتسبها من مدرّب موهوب صاحب كاريزما. يعرض الكتاب لنماذج كثيرة ومتعددة من أصناف البشر من الزبائن والمساعدين، وبعد سرد كل تجربة، يقدم المؤلف الخلاصة والدرس للمتدرب والقارئ.

تطل علينا بين صفحات الكتاب شخصيات مميزة: مدير عام شركة مشروبات غازية مهمة، حسام “ويكيبيديا عالم التأمين” الحامل للسبحة والجاهز للدبكة، والمتمرن طوني الذي جعل كمال خير الله يتذوق كل مطاعم طرابلس ليكتشف لاحقاً أن زوجته مديرة مصرف وهو ليس بحاجة للعمل الجدي، والصحافي المشهور الذي توفي بذبحة قلبية دون إتمام صفقة التأمين على الحياة وزوجته الوصولية والطامعة بالمبلغ، ومهيب أبورزة –الذي ذكّر الكاتب ببخيل موليير—والذي أنهكه من كثرة الأسئلة واللقاءات “يا الهي!! معه من الأموال ما يطعم نصف القارة الأفريقية لسنوات عديدة، وستصيبه سكتة دماغية من أجل ألف دولار!!”. حتى أنه شبهه بشخصية شكري شكر الله في مسلسل أبو سليم.

ثم نلتقي بشخصية ” أبو بلال” ، المقاوم السابق، الذي طرح على صديقه فكرة بيع بوالص التأمين بواسطة شاحنة ومكبرات الصوت في احدى بلدات حاصبيا! وناطور البناية في عين الرمانة الذي أمن معه بأربعين دولارًا شهريًا؛ ثم توفي بعدما دهسه سائق سكير، فترك لزوجته وعائلته 100 ألف دولار. ليكتشف كمال أن زوجة الناطور أم حسن هي “امرأة غنية بلا مصاري”.

يختم كمال خير الله كتابه ” إنها الحياة…ولكن” بفصل أخير عن الإنسان الذي أهداه العمل: أخوه وليد…صاحب المكانة الجد مميزة في قلب الكاتب، “عايش ع الهدا ومش عايز حدا” ، لكنه نجح أخيراً بإقناعه بالتأمين على حياته. انصاع وليد ارضاء لزوجته الطامعة بالاستثمار وليس خوفاً على حياة زوجها! سافر وليد وعائلته الى كندا حيث أصيب بمرض السرطان. لحقه كمال الى هناك ليكتشف عدم وجود أحد من أفراد اسرة  زوجة أخيه في المطار . (https://yellowtail.tech/) حتى أنهم تمنعوا عن أخذ وليد الى المستشفى لاحقاً. كندا وطقسها البارد تجعل الناس باردين لا مبالين.

 باع أخوه لاحقاً شقته في بيروت وسجل المبلغ باسم زوجته وأولاده. وفي ليلة ظلماء أرسلت له الزوجة الرسالة التالية :” راح وليد”.

 ” في صباح اليوم التالي اتصلت بي، ليس لتبكي أو لأواسيها، بل لتسألني عن البوليصة والتأمين والاجراءات الواجب اتباعها اتحصيل النقود”.

   يختم كمال: “لم يكن وليد مجرد قصة حصلت أو شخصًا مرّ في حياتي. وليد كان ولا يزال قصة حياتي وجزءًا لا يتجزأ منها…” فهو من عرّفه على موسيقى فرقة “بينك فلويد”  المعجب بها منذ الصغر…يتذكره كلما سمع أغنية “شاين اون يو كرايزي دايموند” ومطلعها “تذكري أيتها الجوهرة المجنونة يوم كنت شابة، تشعين كالشمس…”

الأغنية كتبها ولحنها أعضاء الفريق سنة 1968 تحية لمؤسس الفرقة ، سيد بارت، الذي خرج من الفرقة بسبب وضعه النفسي المتراجع وعدم قدرته على العطاء ومجاراة الفرقة، فشعروا بالذنب تجاهه.

   “إنها الحياة.. ولكن”  مجموعة قصص حول مهنة التأمين، حول الحياة، حول نماذج إنسانية نلتقيها ونتعلم منها ونتعظ، حول العائلة والكفاح في معركة الحياة…

من يعرف كمال خير الله، يتأكد من ثابتة في عالم الكتابة: “الأسلوب هو الرجل”. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *