حميمية الروح والحزن النبيل.. في نصوص خلود العلوي

Views: 31

القاهرة- خالد بيومي

 

بالحياة تأخذ اللغة حضورها في الكتابة عند الشاعرة والكاتبة السعودية خلود العلوي،فهي مرتبطة بالإنسان في تطوره وتجدده المستمر، حيث إنها كائن متجدد لا يحيا إلا باستشراف المستقبل ونسيان الماضي،من هنا فحياة اللغة مشروطة بالخروج عن دائرة الامتثال للتقليد،فكلما التزمت اللغة بمعاييرها النمطية المألوفة ماتت واندثرت.وكلما خرجت عن دائرة التقليد تجددت وتطورت وبهذا التجديد تحيا اللغة وتسمو.

في ديوانها الجديد” أحبك ولكن” تؤمن خلود العلوي بأن اللغة يجب أن تساير تجربتها بكل ما فيها من التناقض والغنى والتوتر.وهي في ذلك تفرغ الكلمة من شحنتها الموروثة التقليدية،وتملؤها بشحنة جديدة تخرجها من إطارها العادي ودلالتها الشائعة. فتقول:” قلبي يكاد يخترق أضلعي” وهذا تعبير معكوس ، فالضلوع قد تخترق القلب وليس العكس.وكذلك ” أجراس الحب” تعبير مبتكر، والمتعارف عليه” نداء الحب”. وكذلك ” فصول العشق” جعلت العشق طقسا له فصول يترعرع وينمو فيها.

فاللغة قنطرة تعبر من خلالها الوعي وتقترب من ملامسة الناس والعالم والأشياء. فتقول:” صبر كثيرا حتى أدماني الشوق .. كابرت كثيرا حتى دمعت عيناي..ولا أعلم أي ذاكرة عندك .. تحمل ثناياها بعضي..ولكني أعلم أني لم أعد هناك حيثما كنت”.

يقدم البيتان الخاليان من مظاهر الإيقاع الخارجي التقليدي تصويرا مكثفا للحظات القلق التي تسبق القول الشعري مباشرة.

كما أن الخيال وهو ينقل الأشياء بطريقته الخلاقة،دون خضوع ودون امتثال،يعمل على خلق نسق جديد للغة عبر شحن الكلمات بدلالات جديدة تخرج عن المألوف،وفي الوقت نفسه يفتحها على لا نهائية المعنى،فليس الخيال هنا شيئا منفصلا عن اللغة،بل هو مرتبط بها، وباتساع دلالتها،وذلك لأن الخيال يشبه الرحم الذي يخرج فيه عن الخضوع لوهم السلطة،والامتثال للموروث التقليدي،ذلك لأن الخيال يسعى إلى نقل الأشياء بطريقة جديدة،ليعبر بها من المعلوم إلى المجهول الشعري،وبهذا المعنى تصبح اللغة حية مثل الإنسان.فتقول: ” خطوات قدمك ما هي إلا خطى قلبك” وتقول أيضا:” اختبرني ربي بهذا القلب الذي لا أملك منه شيئا.. (https://www.newportworldresorts.com/) فما كان لي إلا أن دعوته سراً ألا يختبرني بك”. وتقول :” أي دمعة ذرفتها وكأنها اختلطت بماء البحر حتى غرقت بها” هذا التماهي بين قطرات الدموع والبحر الخضم.

 

كما تعبر عن المشاركة الوجدانية مع الحبيب في لحظات الألم فتقول:” أعلم أني أتقاسم معك نصف الألم.. نصف الشعور.. نصف القلب”.

فالكتابة عند خلود العلوي تقوم على ركيزتين اثنتين:  توجه من حيث  تحديث القصيدة من خلال الشكل،فيما التصور الثاني يذهب إلىىتغيير الصورة البدوية التائهة في الصحراء واستبدالها بصورة لها دلالات إنسانية أوسع. ويمكن اعتبار تجربة خلود العلوي تجربة ترقى باللغة إلى خلق علاقات جديدة بين الأشياء وهو ما دفعها لأن تكون مشروعا تحديثيا مستمرا لا يقف عند التجديد ولا يحيا إلا باستشراف المستقبل ونسيان الماضي.

وخلود العلوي تشاكس الموجودات ظاهرها وخفيها،وتنتصر لتوهج القصيدة وغرائبيتها،فهي شاعرة الرؤية المتغلغلة في حقائق تنبع من الذاتية،ولهذا نجد بعض الشعراء ومنهم شاعرتنا يستثمرون ويمارسون سلطتهم الذاتية عوض السلطة الموضوعية. فالكتابة سلاحها الوحيد، وشريكتها في الحياة.

يقول جلال الدين المولوي وهو أحد كبار شعراء الصوفية:

تسألني كيف حالك فأنظر إلى حالي

خرب بلا عقل ثمل مجنون

إن أهم ما يميز الكاتبة خلود العلوي أنها كاتبة تنقد نفسها باستمرار ،تنتقد تجربتها بعنف جميل،وتمارس النقد الذاتي على نفسها،وعلى شعرها،فتقول:” خضت معك أقوى المعارك.. حيث كان قلبي خصيم عقلي..فأنا أحببتك بعين قلبي .. بينما كان عقلي دائما يحاربني”. فهي تصور الإخفاقات التي أحاطت بأمانيها منتصرة على فضح العلاقة التي تجمعها بأمنياتها.

تسيطر على نصوص خلود العلوي حالة إنسانية عامة لا تنحصر في قوالب تاريخية أو اجتماعية أو سياسية معينة،فالنصوص مفتوحة على أفق كوني وتستحضر المفاهيم الكبرى في الدين والفن،والحب والصداقة وغيرها.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *