سجلوا عندكم

بخور المجامر والفرح النهلاوي… قراءة في قصيدة “جمر الورود” للشاعرة نهلا كبارة

Views: 150

د. جوزاف ياغي الجميل

 

 جمر الورود

 

أبحر بين دفتيْ أوراقي و أقلامي ..

و كفايَ شراعان ..

و الاحلام مجدافي ..

و قطرات حبر

ترسم رؤى تواترت

بين فكري و وجداني

و أوراق العمر

 ذرتها الرياح محلقة ..

بين فرحي و أحزاني .

شلالات ضياء …

أم أطياف نثرت ..

في الربوع ألواني ؟

و أهازيج جمال ..

رقصت على دندناتها

طيور و أغصان …

و صهيل خيل ..

 أيقظ جمر الورود ..

فسالت على خدودها

قطرات جورية ..

مخضبة بدم شرياني..

و ضفائرُ شِعْرٍ ..

 مجدولةٌ قوافيها ..

مزينة بسبائك الرقة ..

و الحنان و الحب .. الريان

 

نهلا كبارة  ٢٠٢١/٦/٩

 

 

جمر الورود..قصيدة للشاعرة نهلا كبارة.

إنها قصيدة احتراق الورد، في هياكل النور، عبقًا، ألقًا ومجامر بخور.

كيف تحترق الورود، في كتاب ابنة الفيحاء؟

كيف تتحوّل الوردة إلى امرأة، والمرأة إلى شعلة متأججة على يدي نزار، شاعر النساء؟

هو المعجم النزاريّ النهلاويّ يراود العقول عن ذاتها، ويشتعل وجدا وهياما.

هي المرأة تهرب من وأد المشاعر فعلاً وكلامًا.

امرأة نزارية تشتهي الحب  مخضبا بدماء الورود، وترفضه استسلاما.

في القصيدة لقاء بين عناصر الطبيعة الأربعة: الماء (أبحر..شراعان..شلالات)  والهواء (الريح) والنار( مجامر) والتراب ( الورود والربوع).

لقاء محوره أنا الشاعرة العاشقة السفر، في اتجاهين :عمودي، باتجاه السماء، كما يتصاعد البخور من المجامر، أو باتجاه الأرض الأم، كما في شلالات الضياء، وأفقيّ باتجاه البحار، في عملية  إبحار، نحو المطلق والغرائبيّ المجهول، عبر الحلم والرؤى وخيالات الشعر.

يتنازع في ذات الشاعرة كبارة رغبتان، بل هاجسان: الإبحار والخوف.

الإبحار عبر الحلم والرؤى والشعر إلى عالم جديد، ينقلها كامرأة إلى عوالم الورود والعشق والفرح العرفاني. سلاحها الكتابة والحب والضياء.

والخوف من احتراق ذاتيّ يلقيها في مجامر الأحلام، حيث الورد مخضب بالدماء، وطيف الوهم يرميها، من السماء، إلى أرض واقع الشقاء.

مجامر الورود هي ثنائية المحو والكتابة. فالجمر يمحو ما تحمله الوردة من عبير وجمال. والشعر يعيد إحياءها لتصبح كطائر الفينيق، تنبعث من بين الرماد، معتقة بألحان الرجاء.

في القصيدة ضميران يتصارعان حينا، وحينا يتكاملان، في حركة نحو الأعماق، بين عمق الذات، وعمق الكون. والكون ليس إلا رديفا للأنا، ذلك الجرم الأصغر الذي اختفى فيه العالم الأكبر.

تكرّر ضمير الأنا، في القصيدة، اثنتي عشرة مرة، بعدد أشهر السنة، أو بعدد الحواريين، تلاميذ السيد المسيح. كما يشتمل الرقم ١٢ على رقمين: ا و٢. وفي حين يدل رقم واحد على الأحادية والنرجسية والرغبة في تحقيق سلطة التفرد ، فإن رقم ٢ يعلن ازدواجية المشاعر، وتصارعها في الذات، بين الروح والجسد. ويظهر هذا الصراع عبر رموز الجسد الكامنة في الإبحار والأحلام وصهيل الخيل ودم الشريان، ورموز الروح المتمثلة في شلالات الضياء، وسبائك الرقة .. والحنان و الحب ..

الجسد متقد كالمجامر والروح يفوح عبيرها كالورود.

أما الضمير الثاني فهو ضمير الغائبة هي : ترقص.. تواترت.. ذرتها ..نثرت.. دندناتها..رقصت.. سالت..قوافيها. وقد تكرر تسع مرات، في أشكال مختلفة بين استتار واتصال. ويعود هذا الضمير إلى عناصر الطبيعة. ورقم تسعة هو رمز للحب، في الحضارات القديمة. وقد اتخذه الشاعر دانتي، في ملحمته رمزا للمحبوبة. (https://illustrarch.com) وهو رقم أنثوي متفوق بامتياز، إلى درجة القداسة.

وقد كشفت الشاعرة دور الطبيعة القدسيّ في إحياء الذات، بعد احتراقها، في جمر الحب.

من جهة مقابلة، تصبح مجامر الورد رمزا للقصيدة/ الشاعرة، تحترق وحيًا وإبداعًا فيفوح عرفها، كما يقول الشاعر المتنبي:

لولا اشتعال النار في ما جاورت/ ما كان يعرف طيب عرف العود

وهكذا فإن اشتعال المشاعر والرؤى والحب في ذات الشاعرة كبارة هو الذي حوّلها إلى ورود تعبق بالإبداع والإشراق مسبوكة بالرقة والحنان.

نهلا كبارة، أيتها الكاهنة في هيكل القلب، بخور مجامرك اخترق مسام أرواحنا، حوّلنا وإياك إلى شموع متقدة بالبوح الأنقى والأرقى. وقد آن لنا أن نرفع الصلوات، والابتهالات، كي نعلن، بعد الاحتراق،  ولادة الوطن/ الحب/ الفينيق، في رحم القصيدة والحياة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *