ميلاد نص جديد: الرواية الرسمتخيلية… “الدجال”  لشوقي الصليعي-تونس

Views: 1101

د. حمد حجي 

مرت الرواية بما مثلها تاريخها الطويل المرير من مراوحة بين التقليدية والحداثية برجالات بصموا رصيفها، فما كتابات بلزاك وزولا وموباسان وتولستوي ومرسال بروست و فلوبيرالا يقين الدليل عند جميع الروائيين عربا او عالميين ..

فكما قدمت رواية  مدام بوفاري لفلوبير للسرد نزعته الواقعية ومدلولاته المحسوسة منعكسة على الوصف ورسم الشخصيات ..اعتبرت روايات: مزيفو العملة / ابليس/بحثا عن الزمن الضائع/   لبروست تحولات معتبرة بجنس الرواية ، ولا يفوتنا ما لرواية كافكا القصر le chateau التي تحتفل بسحرية الحواس بسرودها من اهمية بشأن الرواية الجديدة..

ثم نقرأ التنويع بجنس الرواية، فمنها الرواية التاريخية اذ نلمح التاريخ بمفاصل الرواية  في ترابط عضوي (كما عند بلزاك)، ونلمح الرواية الاسطورة كما عند  جوليا كريستيفا حين فرقت بين السرد الاسطوري بما انه ينبع من فكر الرمز بينما الرواية من فكر السمة ..

ونقرأ الرواية السوداء كما بكتابات الكاتب الانجليزي جيمس هيدلاي تشاز (1948) اذ وصل الامر بدار غاليمارانها تصدر ستة عناوين بالشهر..

وتتالت الرواية النفسية، ورواية الجريمة والرواية البولسية ونشطت رواية الخيال… وانطلقت رواية التجسس كما عند الثالوث :

 غوستاف لو روج gustave le rouge برواية حرب الاشباح / الطبيب الملغز .. او ثانيها  الروائي بيار نور pierre nord / القافلة السادسة / جواز سفر من اجل الابدية /

وثالثهم  بيتر تشيني peter cheny في رواية هذا الرجل خطير ..

وتعددت السرود وتداخلت الاجناس الادبية برواية الوثائق والرواية الغرامية ورواية الجنس  وتخصصت روايات بالاهتمام بالطفل..

تأسيس للرواية الرسمتخيلية؟ اي خصائص؟

اولا / اللغة والهوية بالرواية الرسمتخيلية: تفتح الرواية الرسمتخييلية أبواب اللغة والهوية في احداثها وشخصياتها وازمنتها على حد قول سيدنا علي رضي الله عنه: “الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام”.

كان  “هيغل ” يردد دائما أننا “نحن نفكر داخل الكلمات”، ومن بعده ” ميرلو بونتي” حين اعتبر أن لحظةَ التفكير الصامتةَ عبارة ٌعن ضجيج من الكلمات.

تحتفل الرواية الرسمتخييلية (نموذج الدجال رواية شوقي الصليعي) بالوجود الكامن في اللغة، وبكينونة الإنسان المتمثلة بلغته، كما ردَّد “هايديغر  كثيرا: “إن لغتي هي مسكني وموطني ومستقري”.

تزدهي رواية الدجال اولا باللغة اذ هي إحدى”الوقائع الاجتماعية الفاعلة والمؤثرة في سياق الوجود الاجتماعي وديمومته كلها”.

وثانيا بالرسم التخييلي كيف يُعبّر بالصوت والصورة  عن الهوية؛ فصوت اللغة له دلالة، ورسم الحرف له مدلوله فكما تتحدث الدراسات الحديثة عن الصوت من خلال السلوك الجسماني للإنسان..يتحدث الرسم عن اللغة بمعنى أن الرسم  تعبير عن أفكار داخلية، كما الصوت باللغة والصمت والايماءة .. ودليلنا انه عندما تختلف اللغات في أصواتها فإنها تختلف في رسم دواخلها أيضا..فعندما نعود إلى الثقافة الإسلامية نرى أن القدماء -على رأسهم “الشاطبي -” اعترفوا بوجود خصائص مشتركة رسمية بين اللغات، واعترفوا في نفس الوقت بوجود خصائص رسمية خاصة لكل لغة.

 

الدجال وهوية كاتبها ..

الروائي شوقي الصليعي رسام بالفرشاة واللوح جاء من الرسم الى جنس الرواية.. وخط تفاصيل روايته برسم ملامح شخصية هاشم الرسام الشاعر والروائي والناقد وهي خصيصة لم يكتب بها احد بالروايات العربية اذ لا نلمح غير روايتين او ثلاث اختصت  شخصياتها الرئيسية الميتارسمية مبدعا كان او ناقدا أدبيا

هذه الرواية (الدجال لصاحبها شوقي الصليعي) لم يكتب على شاكلتها أي روائي عربي ولا نجد الا روايتين بارزتين بتاريخ الرواية العالمية.

انها  تتناص وتتعالق راسا باثنين فقط  مع روايتين هما:

 اولا : الفنان في شبابه دجيمس جويس

والثانية :  صورة دون رونج راي اوسكار وايلد

أوسكار وايلد

 

ملخص الرواية لصاحبها شوقي الصليعي

” تتحدث الرواية عن حياة المبروك، وهو شخص هامشي ملاكم متشرّد يتعلق بالاجواء الطلابية ويدخلها عنوة ويستغله اصحاب النفوذ في النضال الجامعي ليكون معينا لهم، فيتعلق بفتاة مناضلة لا تبادله الحب وحين يصادفها في علاقة غرامية مع وجه نضالي بارز يغادر البلاد ويحرق في اطواف الموت الى اوروبا فيعيش حياة العصابات والمافيا.

 وحين يعود بعد سنوات مطرودا يستغل معرفته بالمثقفين ليغطي عملياته الاجرامية في حق الاطفال المشردين ويشتغل حارسا للصحيفة الثقافية، ويحاول الانتقام من غريمه الذي افتك منه محبوبته، وهو امبراطور الصحافة غازي ايوب الذي دمر الحياة الثقافية في البلاد بانتهازيته ووصوليته.

تتخلل الرواية قصة حب درامية بين نوال الحامدي ربة الصحيفة وهي اليسارية المثقفة الصادقة وبين الرجل الملوث عديم القيم. وقصة الحب الثانية التي قوامها اللغة والحلم بين الشاعرة مريم عبد الرحمان الموهوبة التي هي اكتشاف الصحافية نوال والناقد والرسام هاشم الباداني الذي يمثل رفقة الناقد المهمش الهداجي صوت المثقف الحقيقي الذي لا يجد مكانته في المشهد الثقافي والفني بالبلاد.

يمثل مبروك همزة الوصل بين عالم المثقفين الذي يحتمي به لاخفاء نفسه واخفاء جرائمه وبين عالم المشردين الذين يقوم باستغلالهم والتجارة بمستقبلهم.

تنتهي حياة المشردين المحرومين من الحماية الاجتماعية باستغلالهم من طرف الارهابيين، وتنتهي حياة غازي ايوب امبراطور الصحافة نهاية درامية حيث تقضي عليه كوابيسه واحلامه الملوثة بالجاه والمال، وتنتهي الرواية نهاية سريالية حيث يكتشف البطل انه كان بصدد كتابة رواية يلتبس فيه الحقيقي باحلام اليقظة التي هي جزء رئيسي من حياة البطل هاشم الباداني.

جيمس جويس

 

قال النقاد عنها

 

بانوراما وجدارية هائلة تتكون من بورتريهات بديعة لاثنين وأربعين فصلا..

رسم لوحات رائعة لأحداثها ( الدجال)، وتوقف الروائي شوقي الصليعي عند شخصياتها، وشوَّه بعضها وأثنى على بعضها بنصاعة الفكرة، والتناول الباطني للشخصيات، والقدرة العظيمة للتنقل من الواقع الى الخيال ومن الوصف إلى الحواربلغة عربية فصيحة وجملة سردية بارقة، ووجدت نفسي لا أرتوي من قراءتها..

فكأنما أقرأ رواية عالمية بالرسمتخييلي:

 أو أعيد جحيم الكبيرين : اوسكار وايلد و دجيمس جويس

 

 

Comments: 2

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. اري ان مخاض قصة شوقى الصليعى التونسى جاء نتيجة انفراجة تونس وتحررها بعد حكم ديكتاتورى حكم قبضته على بلاده فترات طويله ولكن تلك الانفراجة جعلت القاص حرا تماما فى تناوله لاشخاص روايته بحرية تامة نقدا وذما ولاننسى شاعرهم الشاب الشهير ابو القاسم الذى سجل انشودة الحرية الخالدة:
    اذا الشعب يوما اراد الحياة. فلابد ان يستجيب القدر
    هذا علمته من استحسان النقاد بالقصة التى احاول اقتناءها والاستمتاع بشخوصها الذين وصفوا بحرية طليقة للاديب التونسى…..

  2. ان قصة شوقى الصليعى انما تعتبر ايقونة لتحرر الادب التونسى بعد فترات طويلة من كبت الحريات وكانها تسطر ثورة شاعرهم الشاب الشهير ابو القاسم الشابى فى عمره وفكره ونبوءته :
    اذا الشعب يوما اراد الحياة. فلابد لليل ان ينجلى
    فقد تناول الصليعى شخصياته بحرة تامة مدحا ام ذما محلقا بهم جميعا صالحين كانوا ام فاسدين لايخش مواقعهم ولاتوجهاتهم هذا من قراءتى لنصوص النقاد…
    ولربما وجدت فى مفاصل القصة فوق ماراى النقاد كقارئ عادى…