شبلي الملاط… شاعر الأرز قطعة من التاريخ اللبناني

Views: 970

وفيق غريزي

 استمرار العملية الابداعية عند اي شعب تقوم على المحافظة على توازن لاشعوري بين التقليد بمعناه الاوسع، وهو الشخصية الجماعية ان صح التعبير، محققة في ادب الماضي واصالة الجيد الجديد الحي. ويتطلًب الابداع قدرا من النظرة الانسانية، تعيد للانسان وضعه كأعلى قيمة في الوجود، وانه غاية في حد ذاته، وذلك حسب المذهب الانسانية الذي وقف ضد المذاهب والعقائد التي تغرِّب الانسان وتقلل من حريته وحقه في التمتع بحياة سعيدة، وتعلي الانسانية من قيمة العقل.

 والانسان منقسم الى ثلاث قوى، كما يقول الشاعر الشاعر الاميركي ادغار الن بو: “العقل والضمير والنفس”. فالاولى معنية بالصدق، والثانية بالواجب والثالثة بالجمال، ولذلك فان النفس هي المسؤولة عن الشعر، فهو يصدر عن النفس، وغايته كشف الجمال، ولا علاقة له بالحق او بالاخلاق. ووظيفة الشاعر ليست في ان يحلل ويستعمل الاصطلاحات التي يستعملها العالم النفساني، وانما مهمته ان يصور الشيء كما يراه وينقض على بوادره ويخطف في لمح البرق اشكاله المتغيرة، ويجعلنا نحس نحو هذا الشيء ما احسه هو حتى ولو لم يكن بمقدورنا او مقدوره ان نفهم ويفهم ما يقول، ولذلك يحاول الشاعر ان يجعل الشعر خصبا غنيا، ويحمًله اقصى درجات الحقيقة والتاثير الشعري، ويقدم لنا التجربة بكل ما فيها من تعقيد، حسب قول الدكتور احسان عباس.

 ولا بد لكل من يرغب في دراسة الحركة الثقافية اللبنانية الحديثة، ولا سيما تلك النهضة الادبية التي تربى عليها الجيل الحاضر، من ان تتناول هذه الدراسة اعلاما كان نتاجهم رائدا، حيث شكل بذورا حيًة تحولت الى سنابل ذهبية. ومن هؤلاء الاعلام شاعر الارز شبلي الملاط الذي يقف بين الاعلام في الطليعة، وهو اول من شكل قفزة نوعية في الشعر العربي الحديث، ان لجهة المضمون، وان لجهة الاغراض على غرار ابو تمام وابو النواس في العصر العباسي، والشاعر الذي كان بمثابة النبي او الساهر في شعبه هو في وقتنا الراهن غريبا مسلوب الحقوق، فيقول الشاعر شبلي الملاط : “غريب عن الدنيا وان حاطه الاهل، قريب له جسم بعيد له عقل، وياه فلا حس ولا هو سامع دويا ولو في اذنه قرع الطبل”.

 

حياة شبلي الملاط المميزة

ولد الشاعر شبلي الملاط في بلدة بعبدا عام ١٨٧٨، من ابوين هما يواكيم الملاط وعطر ابنة شبلي الحلو. في البداية تلقى علومه في مدرسة البلدة التي يشرف عليها المطران غفرائيل، وقد وصفه الملاط بانه “كان واسع الاطلاع، متضلعا في اللغة العربية. صاحب ذوق بالشعر، وكان ابن الفارض احب الشعراء اليه.

بعد ذلك ارسل الى مدرسة في جبيل وبقي هناك سنة واحدة، انتقل منها الى بيروت ودخل مدرسة الحكمة، حيث درس المعاني والبيان والعروض على الشيخ عبدالله البستاني.

بعد تخرجه انصرف للتدريس في الحكمة، ومن هذه المهنة توجه الى الصحافة حيث كتب في جريدة “الروضة” لصاحبها خليل باخوس، وجريدة “الارز” لصاحبيها فيليب وفريد الخازن، والضمير لعبود ابي راشد.

وفي عام ١٩٠٨ اسس جريدة “الوطن” التي ضمت تحت لوائها رجال اقلام كبار امثال: اسكندر العازار، فايق غرغور، ايوب ثابت، وجورج رزقالله وغيرهم، ولكن عداء الدول الاجنبية للجريدة بسبب مواقفها، حمل احد العملاء على اضرام النار في مطبعتها، واثر ذلك بدأ يتقلب في وظائف رسمية مختلفة، فشغل منصب باشكاتب القلم العربي في المتصرفية، ثم عين قائمقام زغرتا، ثم في المتن. وخاض معارك سياسية، ومثل لبنان في ميادين ادبية وشعرية عدة، فكان له السبق في كلها.

صفاته الشخصية

عصر شبلي الملاط انتاج عقله وتفكيره في كأس الفن الجميل والساحر. كما نسج بروة احلامه الذهبية واماله الباسمة من خيوط التعب والجهاد والمعاناة فبين الحياة المادية والحياة المعنوية، راح شبلي الملاط يشق طريقه الى المجد والعبقرية، ويشيد قصر اماله واحلامه فوق ذرى الطموح والعظمة، فسكب على الحياتين من فنه وخياله وابداعه، ما جعله يعيش في الارض يحقق الامال ويجنح الاحلام، وفي الفضاء يرفع علالي القصور في التفكير والتخيل.

 واقلقت الملاط الحقيقة، فسعى الى اعطائنا اياها بكل ما فيها من مال مكنون، وعبّر عنها بغية اظهارها بكل ما تتضمنه من جمالات.

وترك لنا العديد من المؤلفات منها: شرف العواطف، صاحب المعامل الحديدية، الكونت دي ستيلا، جان دارك، هرناني، المراًة الاسبانية، يهوديت، بينها روايات مترجمة عن اللغة الفرنسية. بالاضافة الى قصايد هي من عيون الشعر. ولقب ” شاعر الارز. ولزم منذ استوى على عرش الكلمة استواء الارز على قمم جبال لبنان شمالا وجبلا، فكان صوت الوطن، وصوت الامة العربية، وضمير شعبها في ان معا.

 وفي عام ١٩١٩ تعرّض لحملات افتراء من قبل بعض الصحف المهجرية، بهدف النيل من موقفه، ورغم هذه الافتراءات فقد بقيت حياته وصية اخلاقية، وديوانه شهادة على اصالته، لقد قال عنه المفكر الوطني كمال جنبلاط: “شبلي الملاط في حياته وفي تصرفه وفي شعره، قطعة من هذا التاريخ اللبناني الاصيل الحي الذي نحافظ عليه في زوايا قلوبنا المطهرة. شبلي الملاط هو امتداد لهذا التراث السليم، هو تجسيد لقطعة من تربة هذا الوطن”…..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *