حرية التعبير … سلاح القضايا الكبرى

Views: 765

كلمة نقيبة العاملين في الاعلامي المرئي والمسموع رندلى جبور في مؤتمر تجديد الخطاب الاعلامي وإدارة المواجهة الذي افتتحه السيد حسن نصرالله 5 تموز 2021.

 

رندلى جبور

يسرّني أن أشارك في مؤتمر يدلّ على نضوج في عزّ أزمة، وعلى مبادرة في عز شلل، وعلى نظرة إلى الامام في عز الانغماس في ضيق اليوميات.

مؤتمر يتحدث عن تجديد الخطاب الاعلامي في زمن انحراف الكثير من الخطاب، وعن إدارة المواجهة في زمنٍ، قلّة فيه من يتجرأون على المواجهة.

وهذا يعني أن المشاركين في هذا المؤتمر ناضجون، مبادرون، تقدميون، ومقاومون. وهذا يعني أنه يجب الاستثمار في هؤلاء من أجل بناء إعلام جديد، غير خاضع، غير قابض، غير مرتهن، والأهم إعلام واعٍ، لأن القلم الطائش والصوت الطائش هو أخطر بكثير من الرصاص الطائش.

والطيش في عالم الاعلام والسوشال ميديا كبير اليوم. ولذلك عندما طُلب مني أن أتحدث عن حرية التعبير في هذا المؤتمر الذي نأمل أن يكون بداية تعاونية إعلامية جديدة وخلاقة، وقفت أمام خطّين.

الأول إيماني المطلق بحرية التعبير. ولو لم أكن مؤمنة بهذه الحرية، لما امتهنتُ الصحافة والاعلام.

والثاني هو النفور الذي أشعر به تجاه الفوضى واللا أخلاقيات التي نراها في ممارسة حرية التعبير.

ظننت لوهلة أنني أعاني من الازدواجية أو أن هذين الخطين لا يلتقيا. ولكن بقليل من التعمّق، عرفت أن حرية التعبير المكّرسة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وفي قوانين ودساتير الدول المتحضرة، هي ليست مطلقة بل تخضع لقيود حتى في أكثر بلدان العالم تحضراً وديمقراطية. فالاعتداء على حقوق الآخرين أو سمعتهم أو كرامتهم ليس حرية تعبير. وتعريض الامن القومي أو النظام العام للخطر ليس حرية تعبير. والشتيمة ليست حرية تعبير. والهيلاهو ليس حرية تعبير. وتصوير المقاوم خائناً والخائن بطلاً ليس حرية تعبير. وجعل العمالة وجهة نظر ليس حرية تعبير. وقلب الحقائق وتشويه الوقائع ليس حرية تعبير. والاغتيال المعنوي والسياسي هو جريمة وليس حرية تعبير. وتسميم المجتمع ونشر الحقد والكراهية والفوضى والتفرقة ليس حرية تعبير. والاتهام بدون دليل ليس حرية تعبير. وتلويث العقول بالأكاذيب والاشاعات والكلمات البشعة ليس حرية تعبير.

حرية التعبير يجب أن تكون متوأمة مع الوعي أولاً ومع الحقيقة ثانياً ومع حسّ المسؤولية ثالثاً ومع حرية التفكير رابعاً.

فمن يقبض ليقول هذه الكلمة أو تلك، إنما هو أسير وليس حراً ولا تنطبق عليه حرية التعبير.

والمرتهن الذي يستجلب الخارج ويجلس تحت جلبابه ويطلق النار على أخيه في الوطن، إنما هو خائن ولا تنطبق عليه حرية التعبير.

ومن يدافع عن الفاسد والشرير ويهاجم الوطني النظيف إنما هو مضلَّل ومضلّل ولا تنطبق عليه حرية التعبير.

ومن لم يحمل الكلمة يوماً كسلاح في معارك القضايا الكبرى، تكون كل باقي كلماته مجرد رصاص طائش.

فلتكن حرية التعبير مقرونة بحَمل القضايا الكبرى بصدق وبحرية.

فليستخدم كل إعلامي أو ناشط أو مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي حرية التعبير في قضايا الفساد. فلا يكون استنسابياً ولا يسكت عن الفاسد الحقيقي ويجعل من البريء فاسداً.

وليستخدم حرية التعبير في الدفاع عن نقاط قوة لبنان مثل الوجود المتنوع والدور للجميع والشراكة والمقاومة وغيرها.

وليستخدم حرية التعبير لإعادة النازحين إلى بلادهم بعدما شكّلوا عبئاً يوازي مليارات الدولارات سنوياً.

وليستخدم حرية التعبير لمنع التوطين وللحفاظ على الثورات الوطنية.

وليستخدم حرية التعبير للبناء لا للهدم. للمشاريع لا للعرقلة. للوقوف بجانب الحق لا مع الباطل. للاقتصاد المنتج. للاتجاه حيثما المصلحة الوطنية تكون.

وليستخدم حرية التعبير للانفتاح على الشرق والغرب بدءاً من الدول الأقرب جغرافياً والتي تشكّل المنفذ والمتنفّس.

وليستخدم حرية التعبير رفضاً لمحاولات التركيع والتجويع. رفضاً للحصار وللحرب بكل أشكالها التي تمارَس علينا.

وليستخدم حرية التعبير في حماية لبنان من أعدائه وخصوصاً إسرائيل والارهاب. وفي القضية الفلسطينية. وفي مواجهة المشاريع الخارجية المرعبة، وقد رأينا نتائج هذه المشاريع في بلدان وأوطان كثيرة.

إن حرية التعبير في ظل الفوضى يمكن أن تكون قاتلة، والفوضى في حرية التعبير يمكن أن تكون مدمّرة، وتجعلنا ننسى القضية الحقيقية وننحدر إلى الهيلاهو.

من الضروري احترام حدود حرية التعبير من دون فقدان الحرية.

ومن الواجب وضع حرية التعبير تحت سقف المسؤولية والموقف الاخلاقي والوطني. ومن هنا تكون البداية لإعادة تطهير المجتمع والعقول من المنحدرات التعبيرية التي وصلنا إليه تحت عنوان الحرية. فهل ننسى أنه باسم الحرية ولد الارهاب؟ وباسم الحرية احتلت دول دولاً أخرى؟ وباسم الحرية تمّ تشريع القتل؟

الحرية هي أرقى المفاهيم على الاطلاق ولكن إذا فقدت المسؤولية أو بيعت للآخرين لكي يستخدموها أو تجردت من الانسانية أو الاخلاق أو العقل، تصبح أكثر المفاهيم هدماً. فلنكن من أبناء حرية التعبير التي تبني الوطن لا التي تدمّره!

على أمل أن يكون هذا المؤتمر بداية تعاون إعلامي لإعادة حرية التعبير إلى مكانها المفيد.  وشكراً

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *