قصّة من ذاك الزمان – مروحيّة تسقط في عمشيت…
بيار أديب ضاهر
في حزيران ١٩٥٩:
يومٌ اعتياديٌّ في عمشيت ذاك الزمان: عمل في معمل البيرة “أركاف”، أصوات تتصاعد من محلّات الحدادة والنجارة وكاراجات السيّارات، وصوت معول جدّي بطرس في الجلّ تتردّد أصداؤه على جدران المنازل القليلة في عمشيت وقتها، مع اصوات السيّارات التي تعبر الطريق الساحليّة من وقت لأخر…
ويقطع سيل الأصوات الإعتياديّة صوت طوّافة عسكريّة تحلّق على علوّ منخفض، تعلق مراوحها بالاسلاك الكهربائية وتسقط بين الصخور مكان الأتوستراد الحالي!
رسم جدّي إشارة الصليب وركض باتجاه الطائرة المحطّمة، ليجد عسكريّيَن من الجيش اللبناني في المروحية يئنّان من الألم وتحت خطر انفجار لتسرّب في خزّان الوقود… يمسكُ جدّي بباب الطوّافة الواقعة على جنبها، ليجد ضابطاً قرب مقعد الطيّار يضغط على رقبته أجزاء من الحطام. كان الطيّار أثناءها قد تمكّن من النجاة واستلقى بعيداً آخذاً منه التعب والألم كلّ مأخذ…
وصل والدي وأعمامي الأصغر منه سنّاً إلى المكان لمساعدة جدّي الذي أسند جانب الطائرة بكتفه وضغط بكلّ ما أعطي من قوّة… إرتفعت المروحيّة بضعة سنتمرات، فزال الضغط عن رقبة الضابط وتحرّر قليلاً ليتمكّن والدي وأعمامي من سحبه بساقيه خارج الحطام… كان لا يزال حيّاً يُرزق!
أخرج عندها الضابط منديلاً من جيبه يمسح به العرق عن وجهه العابق ونظر إلى جدّي بعينين تغشيهما ضبابة وملؤهما العرفان بالجميل!
بعد قليل حطّت قربهم مروحيّة عسكريّة أخرى تابعة للجيش اللبناني وحملت الضابط والطيّار إلى المستشفى.
بعد أيّام وصل خبر إلى جدّي… قيل له أنّ الضابط عادل شهاب أرسل بمكافأة مالية إلى رجل بلباس قروي ظنّاً منه أنّه هو من أنقذه – أدرك جدّي حينها أنّه قد أنقذ عادل شهاب شقيق رئيس الجمهورية آنذاك، اللواء فؤاد شهاب. إنّما لغريب الاتفاق بقي هذا العمل البطولي مغموراً… آمل أن أكون قد عوّضت جدّي بعض حقّه.