التَّخاذل
لميا أ. و. الدويهي
تأسرنا الحياة بأوجهٍ عدَّة، ونَخالُ أنفسَنا أسياد المواقف والمسيطرين دائمًا على الأوضاع وفي معظم الأحيان، نجدُ المُعادَلة المُناسبة لتفسير الأمور وتعليلها بما يتماشى مع مفهومِنا للأمور وللأحداث… والأغرب يكون عندما نُصبحُ أسيري ما نُحبّ وما اخترناهُ في الحَياة وحتَّى أحيانًا كثيرة أسيري مَن نُحبّ…
هناك مَن يبحث في الحياة عن الطريق الأسهل خوفًا من المُجازفة والمراهنة على موقف، على هدف، على شخص… فيلوذ بالفرار عوضًا عن التمعُّن في عُمقِ الأمور، أوَّلًا ليُدركَ إن كان حقًا ما يطمحُ إليه هو الهدف المنشود – علمًا أنَّ بعضهم أحيانًا كثيرة يكونون أكيدين وواثقين من الأمر ولكن لسببٍ ما، قد يتعلَّق بنظرةِ مُجتمع وتقييمٍ عَقيمٍ من آخرين غالبًا ما يكونون من الأشخاص الذين يعيشون خارجَ حياتهم ويلتهون بهمومِ غيرِهم ليملأوا فراغًا أوجدوه بجهلهم ورمَّموه بتفاهاتِهم التي لا تنتهي، يرتدُّون عن مسعاهم… وثانيًا ليبذلَ المحاولات ولو القليلة التي تليقُ بعطيَّةِ الله للإنسان، مهما كانت…
الخلوة مع الذات تجعل الاصغاء لإلهامات الرُّوح في داخل الإنسان أسهل، وتكرار هذه الخلوات، يجعل هذا الأخير قادرًا على تمييز صوت الإلهام من صوتِه الخاص، إذ أنَّه يوجدُ بداخلِنا صوتان يتنازعاننا، وكثيرًا ما نحارُ لمَن من الاثنَين نُصغي، فلا نندم في خياراتِنا ولا نتردَّد مهما بلغت ذُروتها… مع الوقت والصَّلاة وحتَّى التأمُّل العميق وبنعمة من الخالق، نبلغ تلك المَقدرة على تمييز صوت الرغبات من إلهامات الرُّوح… وهذا أمرٌ يحتاجُ إلى تمرُّس وثقة وثبات وصبر… وحينها يسعى كلُّ فردٍ إلى تحقيقِ ذاتهِ لوحده أو ضمن جماعة أو مع شخصٍ آخر قد يُشكِّلُ معه ثُنائيّ… هناك مواقف وظروف قد تكون غير مقبولة للمجتمع وللفردِ عينه ولكن أيضًا، حتَّى الأشخاص الذين لا تتماشى هذه الظروف مع قناعاتهم ويرفضونها أقلُّه لذواتِهم، قد يكونون عِرَضة لها، فتتغيَّر النَّظرة فالمُعتقد وهذا لا يعني بأنَّ بعضًا من هذه الأمور هي حقًّا في خانة المقبول، إلَّا أنَّه دائمًا توجد استثناءات قابلة لفرضِ ذاتها، لأنَّها تكونُ حقيقيَّة أكثر من أيِّ ظروفٍ طبيعيَّة أخرى… أجدُ بأنَّ الأمر جديرٌ بالمحاولة وأنَّهُ لمُهمٌ محاولة خلق الظروف المؤاتية لتحقيقِ هذه الغاية، إن وُجدَت في صَميمها حقيقيَّة بالرَّغم من كونِها استثنائيَّة…
وبعد العمل على ما ذكرت، وجبَ وضع هذه الاستثناءات أمام مشيئة الله التي تُدرك أكثر من الإنسان ذاتِه حقيقة ما يُناسبه، وهذا إن كنَّا فعلًا نثقُ ونؤمن بأنَّ الله هو أبٌ حقيقيٌّ لنا… الله لا يُسيِّرُ الإنسان لأنَّه وهبهُ حُريَّة الاختيار ولكنَّهُ يُلهمهُ ويترك له حقّ تقرير المصير والمسار وبالتالي بإرادته الخاصَّة يُحدِّد مَصيره… ومَن ارتكن إلى معونة الخالق وإلهاماته، يعرف متى وكيف يتوقَّف عن المحاولة لإحقاق هذا «الاستثناء»… وإن كان حقًّا استثناءً حقيقيًّا، فالإله الذي أخصب عبر التاريخ كل تلك الأحشاء المَيتة، هو قادرٌ على ضخِّ الحياة في كُلِّ استثناء، إن عرفنا كيف نضع كافَّة الأمور بين يدَيه ليُدبِّرَها وليسَ ليُديرَها…
أمَّا مَن خاف وتراجع عن استثناءٍ حقيقيٍّ وبحثَ عن بديلٍ لأنَّهُ يخافُ المواجهة، مواجهة مَن أضاعوا حياتهم وهم مُلتهون بشؤون آخرين تُصبحُ مع الوقت غُبارٌ تزول بنفخةٍ طفيفَة أو بلفحةِ هواءٍ خفيفة، جُلَّ ما قد يُقال عنهم إنّهم مُتخاذلون، لا يستحقُّون فرصةً عاديَّةً، فكيف سيستحقُّونها في ما هو خارجٌ عن المألوف بل تحديدًا في ما هو استثنائيّ؟ فمثلِ هؤلاء لا يعرفون لا كيف يُغامرون ولا كيف يواجهون لنَيلِ بُغية قلوبهم التي قد تكون عطيَّةً من الخالق وهم لا يدرون… لأنَّهم صنعوا من أنفسهم أسرى لأفكار بالية وثرثراتٍ عقيمة ليس فيها قدرٌ ولو قليلٌ من الحكمةِ الوجوديَّة…
٨ /٦ /٢٠٢١