كتاب لمكتبة عليا في الجميزة في ذكرى انفجار مرفأ بيروت
سليمان بختي
في السادسة وسبع دقائق من الرابع من شهر آب 2020 وقع انفجار مرفأ بيروت، وبلحظات سقط أكثر من مائتي ضحية وآلاف والجرحى ودمرت الأحياء والبيوت والمحال. في شارع الجميزة هناك مكتبة صغيرة اسمها مكتبة عليا تضرجت بالكتب والرفوف والدمار. وخلال أشهر قليلة وبهمة الأصدقاء ومساعدتهم – محبي الكتب وجلسة القهوة وسط رفوف الكتب-نهضت المكتبة من جديد لتستأنف الدور وتعمر سبل التلاقي كما يعمر الورد، وعاد التحلق الجميل من جديد لأجل كتاب أو صورة أو مجلد أو توقيع كتاب أو قراءات شعرية أو فقرات من رواية أو مسرحية. وهكذا فلا ينقص الشارع مكتبته ولا المدينة شغفًا من رونقها ولا ينقطع الضوء.
بعد البشر والذكريات والأرزاق والآمال أقسى الخسارات هي تلك الأمكنة التي تصنع للبشر معالم ولقاءات وذكريات وتؤنسن المكان.
رفضت مكتبة عليا أن تكون شهيدة أو ضحية بل الشاهدة على الدمار والنهوض، على عصف القسوة الفادحة وعسف الأيام. استمرت وصمدت ونهضت كشاهدة غالية على الحضور المعنوي لإنسان بلادنا في حنايا الثقافة والفنون والتواصل. كانت مع استفاقة الحياة مجددا لا مع الانتظارالخاوي. كانت مع النسائم لتعرف متى تكتب الكتب والأشعار والروايات. وأن تكون جزءا من ذلك الحضور الأليف للبحر ومرفأ المدينة واليمام الذي يشرب معنا الفنجان حين نتصفح الجريدة أو نقرأ الكتاب.
لجبران هذا القول:” لا شيء يزول في الغابة إلا بمعرفة الأشجار، ولا شيء يدوم في الغابة إلا بمعرفة الأشجار”.
نريد لمكتبة عليا في الجميزة أن تدوم وتستمر في نشأتها المستأنفة مثل وردة أو شمعة أو أمل. وأن لا تغير الأحياء السكنية أيضا عناوينها ولا علاماتها ولا معالمها. ومع الأمل أن تعود كل البيوت وأصحابها والشبابيك وفاءً للذين غابوا وقد متنا معهم وهم نحن. وكل الذين أصيبوا وقد أصبنا معهم وهم نحن. وأن يكونوا شوكة في عيون الذين لن يفلتوا من المحاكمة ولعنة الدهر والناس.
غدا في الذكرى الأولى لانفجار الرابع من آب سأحمل من مكتبتي كتابا وأهديه إلى مكتبة عليا-وكذلك سيفعل أصدقائي- مثابة تحية مستحقة لمن جعل من إرادة الحياة، الحياة الخصبة الغنية فصلا رائعا في كتاب، في كتب، في مكتبة. كتاب منا جميعا إلى مكتبة أرادت الحياة وصورة مدينتنا الحقيقية.