صباح ينقذ نفسه
سليمان بختي
هذا الصباح كان يخرج من فم الفجر بالقوة. مثل عيد المتنبي الذي “دفشه “حتى أسقطه من صهوته وهيبته. أمامي في شارع الحمرا مقهى يفتح بخجل كأنه يعتذر من حاضره وماضيه ومن يوميات بلا أيام.
ماذا يعني أن تشرب القهوة في صباح آخر مع الشارع أو بدون. مع حالك أو بدون. مع ما كنت عليه أو صرت إليه أو بدون. لا تزال آثار النوم وأوجاعه ظاهرة وأنت تحاول أن تتذكر أو تنسى والأمر سيان. لمحمود درويش هذه العبارة: “لدي ما يكفي من الذكريات لأشرب قهوتي وحدي، في مقهى يظنه الجميع فارغًا لكنه يغص بالغائبين”.
مضى وقت وأنا أحاول أن أرفع المنديل عن الطاولة ولم أفلح. مات الهواء أمامي ولم يزل يهب. هذا الهواء يشبهني قتل كثيرا ورغم كل شيء يحاول. مضى وقت وأنا أتأمل الحطام والخراب والدمار. قلت إنه أمر فظيع يحصل. بيني وبين الشارع خطوة. يمر الأشباح ثم يمر الشبيحة وبعدها الشحادين. لنا نصيب كبير من حرف “الشين ” في بلدنا. روى لي الصديق الروائي حسن داوود أنه كان يقطع شارع الحمراء من الرصيف إلى الرصيف فاستوقفه زائر عراقي وسأله :” بالله وين شارع الحمرا؟” فأجابه حسن:” هون… هيدا شارع الحمرا…ما تواخذنا”.
كان الشاعر شوقي أبي شقرا يدلع الشارع ويقول”شارع الحمراء الوجنتين”.
هل يستسلم المرء لقدره ويغرق في الضرورة، لقمة العيش، أو ما أسماه رشيد الضعيف عنوانا لأحد رواياته “تقنيات البؤس”. هل يهرب المرء من أماكن وقف فيها طويلا على حافة المهوار منتظرا القطار أو المحطة أو أي إشارة دون هوادة وبلا أمل؟ أتذكر المؤرخ الراحل كمال الصليبي يقف في منزله المطل على الجامعة الأميركية في رأس بيروت ويقول:”الشعب اللبناني أحسن من زعمائه، والمجتمع اللبناني أفضل من دولته”.
يستطيع هذا الشعب وهذا المجتمع أن ينقذ نفسه، أن ينقذ لبنان؟