ليل الغرفة البيضاء

Views: 548

خليل الخوري

 

أود، بداية، أن أشكر الله الذي أنعم علي بتجاوز الأزمة الصحية التي ألمت بي في الأسابيع الأخيرة، والتي زادت من اقتناعي وإيماني بـ»باطل الأباطيل وكل شيء تحت الشمس باطل». ولا أردد هذا الكلام من باب الزهد فعلًا أو زعماً، إنما من محصلة تجربة (قاسية) وثقت، من خلالها، أن كل شيء إلى زوال، ولا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

في تلك القاعة البيضاء، وأنت أسير الأنابيب والأمصال والأدواء… وليلك أطول من ليل النابغة الذبياني الذي شد بأمراس  فلا ينحسر، وأشد حرارة من حمى ليل المتنبي، وأكثر رهبة من ليل شارل بودلير في» أزهار الشر»… في هكذا ليل تجد ذاتك بين التمرد والاستسلام. بين الخوف والقلق. بين رمي السلاح وأن تخلق من الضعف قوة… ثم تقرر أنك هنا لتقاوم ولتصمد ولتعتصم بحبل الأمل والرجاء.

ثم تكتشف أن ما يتجاذبك من أفكار ليس سوى نتيجة تلقائية لما صنعه بك الداء في هذا الزمن اللبناني الرديء، ما يزيد من وطأته على كاهلك المثقل وأنت ترى الوطن الذي عبدته، بعد الله، لم يبقَّ منه إلا اسم من دون مسمى.

وتمر الليالي طويلة، بالرغم من قصرها في الصيف، ما يؤكد لك أن الوقت ليس موجوداً في الحقيقة، إذ هو  مجرد اختراع بشري كاذب… وإلا كيف تفسر أن ساعات الانتظار تكاد لا تنتهي بينما ساعات اللهو والفرح تعدو عابرة وكأنها دقائق معدودات…

وتستحضر، في ذهنك، مراحل من حياتك  كنت قد نسيتها، فتتساءل من أين جاءتك هذه اليقظة في الذاكرة، فتحار بحثاً عن جواب يهبط بك إلى قعر الخيبة حيناً، ثم يرتقي بك إلى ذروة التفاؤل أحياناً، لتتساءل، ثانية، عن المدى الذي ستمضي إليه في هذا الصراع بين الأفكار، فتقرر أنه حان لك أن تأنس إلى هذا الملاك الآتي في لباس ممرضة تحمل إليك الأدواء والعقاقير، قبل أن تفتح واجهة غرفتك على دفق النور… فتسبح الله، وتدرك أن الخطر يسحب آخر جيوشه من حولك، وأنك على موعد مع عمر جديد.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *