سجلوا عندكم

طفشوا

Views: 447

خليل الخوري

 

لم يكن السياح، وأكثريتهم من الاخوة العراقيين، وأيضاً اللبنانيون، الذين عادوا إلى الوطن لتمضية أيام الإجازة الصيفية، لم يكونوا مغشوشين بواقع الحياة اليومية في لبنان… إلا أن أكثرهم تشاؤماً لم يتخيلوا أن يكون التردي قد بلغ هذا الحد المروع من الانهيار والفوضى في مناحي الحياة كلها…

كذلك لم يكونوا يجهلون الصلف والفجاجة واللا مسؤولية لدى القيادات والزعامات… ومع ذلك فوجئوا بإمعان هؤلاء في انعدام الحد الأدنى من الالتزام الوطني…

وكانت النتيجة أن وضبوا حقائبهم وعادوا من حيث أتى كل منهم… وعلى كل شفة ولسان من اللبنانيين تعابير القهر والأسى والحزن على لبنان الذي كان زينة البلدان فبات في قعر اللائحة… وأيضاً الكفر بأهل السياسة الذين ليس  لهم من هموم سوى هم المصالح الذاتية في أقبح صورها، خصوصاً أنها باتت، لدى أهل السياسة، هدفاً بحد ذاتها…

وهكذا هربوا… عادوا إلى حيث يقيمون، سواء في دول الخليج العربية، أم في بلدان الانتشار البعيدة، وفي القلوب حسرات وفي العيون دموع… ولكن في الحقيقة ارتياح إلى أنهم نجوا من مقتلة أمام محطة محروقات، أو من بهدلة أمام فرن، أو من حاجة إلى دواء غير متوافر، أو من الاستيقاظ على تغريدة تافهة خالية إلا من التحريض المقيت، ومن بيان يثير الغرائز، ومن اجتماع ليس فيه غير الثرثرة الفارغة، ومن قرار يفقر الناس، ومن تراجع متواصل في العملة الوطنية حد الانسحاق، ومن قوافل المصابين بالتسمم من الأكل خارج المنازل وقد ضاقت بهم المستشفيات أو ما تبقى لها من قدرات، أو مما تحفل به شاشات التلفزة من سموم قاتلة حقداً وكراهية وضغينة…

وعادوا إلى حيث يقيمون في رحاب هذه الدنيا الواسعة… وحتى لو كان بعض البلدان في مجاهل أفريقيا يظل راجحاً على الحال التي وصلنا إليها في لبنان، فكم بالحري إذا كان الكثيرون منهم يقيمون في بلدان حكوماتها الكترونية، والسيادة للقانون. أما هنا فكان متعذراً على الكثيرين منهم أن يتابعوا أعمالهم عن بُعد لأن انقطاع التيار الكهربائي بين الحين والآخر كان يطيح إمكان أي تواصل…

طفشوا… ورحلوا… وكفروا بالقيادات … ولعلهم صمموا على ألا يعيدوها… وتلك  هي الكارثة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *