الأخطل الصغير… “تعسًا لها من أمّة”!!

Views: 1120

سليمان بختي

 

عرف عن الأخطل الصغير (بشارة عبدالله الخوري) 1890-1868 أنه شاعر الرقة والعذوبة والحب والرومانسية. ولكن على الجانب الآخر كان مناضلا صلبا وطنيا وقوميا معتزا بانتمائه إلى لبنان ودنيا  العرب داعيا إلى قيام الدولة العربية. وبذلك يقول عنه الناقد عادل الغضبان إنه ” شاعر الدول والأمراء أجمع، وشاعر الأمة العربية جمعاء”.

ولعله في الصحافة أبلى البلاء الحسن ففي عام 1908 أصدر جريدته “البرق” وعبرت هذه الجريدة من خلال مقالاته عن الصوت الوطني الحق.

الأخطل الصغير

 

وفي كتاباته وقف الأخطل الصغير ضد الظلم والاستبداد والتخلف والفساد. حتى بات الحكام يناصبونه العداء ويحاولون النيل منه ومن منبره. فقد تعرضت جريدته للتوقف عدة مرات في العهد العثماني وفي عهد الإنتداب الفرنسي. وفي عام 1910 تعرض لمحاولة اغتيال بسبب مواقفه الوطنية والقومية. وأثناء الحرب العالمية الأولى اضطرت “البرق” للتوقف بعدما أرسل الأديب محمد كردعلي ( كان يعمل مع الإدارة العثمانية في بعبدا) رسالة إلى بشارة الخوري مع صديق مشترك هو جرجي نقولا يطلب منه إحراق كل ما تقع عليه يده من وثائق ومستندات في جريدة “البرق” قد تدين الأخطل الصغير ورفاقه المناضلين وتعرضهم للإعدام. ويطلب منه فورا التواري عن الأنظار.

 أنجز الأخطل الصغير كل ما طلب منه كردعلي وقصد قرية ريفون واختبأ في منزل صديقه خليل فاضل وراح ينشر في الصحف اللبنانية باسم الأخطل الصغير كاسم مستعار وبقي هذا الاسم يلازمه مع إنه يقول:”لم يبق لي منه إلا كبقية الوشم في ظاهر اليد”.

محمد كردعلي

 

عام 1918 عادت “البرق” إلى الصدور واستمر الأخطل الصغير مهاجما منتقدا كل الأوضاع المتردية في لبنان. هاجم احتكام الناس إلى السلاح لحل مشاكلهم بدلا من القانون. هاجم إهراق بعضهم دماء بعض. أدان سياسات التزوير والمصالح الشخصية. دعا إلى ثورة اجتماعية تلغي الفوارق الطبقية وتحقق المساواة الاجتماعية وتقضي على الامتيازات السياسية.

واستمر في هذا الزخم التغييري حتى أنه رشح نفسه للانتخابات النيابية عام 1925 وخسر المعركة. ولكنه في العام نفسه انتخب نقيبا للصحافة اللبنانية. وفي عام 1932 انتخب عضوا في المجمع العلمي العربي في دمشق. ولكن معاركه لأجل تحقيق الحرية والعدالة والوحدة لم تتوقف. ولبثت همومه الوطنية ودفاعه عن العروبة ومقاومة الاستعمار، عثمانيا كان أم أوروبيا، تعبر عن نفسها في شعره ومقالاته ومواقفه.

 

عام 1933 عم الفساد في لبنان  في زمن الانتداب الفرنسي وذلك من خلال قوانين وضعها نواب خاضعون للاستعمار ويبصمون على توجيهاته. ولكن الأزمة اشتدت عندما اختفى رغيف الخبز في تلك السنة وكانت ذاكرة المجاعة ماثلة في وجدانه. وتزامن ذلك مع مناسبة اعتلى فيها الأخطل الصغير منبر الخطابة في صالة التياترو الكبير ليرثي صديقه وديع عقل بحضور وزراء ونواب ومسؤولين يمثلون الإنتداب. رآها الأخطل اللحظة المناسبة فحدّق فيهم ثم قال رافعا إصبعه في وجه الجميع:

“يا أمة غدت الذئاب تسوسها / غرقت سفينتها / فأين رئيسها؟ / تعسا لها من أمة/ زعيمها جلادها/ وأمينها جاسوسها/ ومتى تؤيد بالرعاع حكومة/ كانت أحط من الرعاع نفوسها/ هبطوا الجحيم فردهم بوابها/ إذ خاف من إبليسهم، إبليسها”.

وديع عقل

 

تحركت على الفور أجهزة الأمن لاعتقال الأخطل والتحقيق معه بقوة القانون والسلطة والعسكر. إلا أن الجمهور حماه ومنع الأجهزة من اعتقاله. ولكن عمدت السلطات الفرنسية إلى توقيف جريدته وإلغاء امتيازها نهائيا.

جمع الأخطل الصغير في شعره كل الرقة والعذوبة والحب ولكن هموم الأرض والوطن والناس كادت تودي بحياته أكثر من مرة ولم يستكن أو يهاب. وبذلك يقول الأديب توفيق يوسف عواد (1911- 1989) الذي عمل إلى جانبه في جريدة “البرق”: “غنى بشارة الخوري الجمال والحب والحق والحرية ولبنان والعروبة. ديوانه ليس سجلا لآلامه وآماله فحسب بل لآلام جيل كامل وآماله”.

توفيق يوسف عواد

 

اليوم التاريخ يعيد نفسه وأبواب الجحيم تفتح من جديد ولا من صوت يدوي لأجل الحق وكرامة الإنسان وكرامة الوطن.

الناس تذوب شيئا فشيئا والوطن يحتضر بصمت.                                                                 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *