رقصة الشيطان…

Views: 652

أنطوان يزبك

 

“الإنسان هذا الكائن المجهول” عنوان كتاب لـ ألكسيس كاريل Alexis Carel، يجعلنا نحار في ماهية الإنسان وأفعاله لا سيما الشريرة.

لا ريب في أن علاقة الإنسان بالآخر، تشوبها المشاكل والصراعات، ولكن لماذا الإمعان في القهر والذلّ للآخر والطمع واستفحال محبة الذات إلى درجات غير مسبوقة!؟..

الطمع يؤدي إلى حقد الناس على من تسيطر عليه هذه الغريزة ولفظ الطبيعة له، قبل أن نصل إلى عدالة الله والسماء، في عالم تنتفي فيه العدالة والمخافة من الآخرة والدينونة!!

طوى الإنسان العصور وهو يبحث في تعاليم الأرض وتعاليم السماء؛ بحث في المنطق كما في الأخلاق، وكانت الأديان صوتًا صارخًا في براري الإنسانية الصارخة، إذ قال السيّد المسيح: “أحبوا بعضكم بعضًا”…

وقال النبي محمد (ص): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره”.

من أقوال القديس أغسطينوس: “الحياة قصيرة… اصطلح مع أخيك”!!

مع ذلك، صمّ البشر آذانهم، وأقفلوا قلوبهم، واستبدلوا المحبة بالبغض وحب التسلّط، وحوّل العنف الإنسان في العصر الحديث إلى صيّاد يرمي شباكه المعدنيّة الحامية على حواسه وتصرفاته؛ ويسرق منه بشريّته بشكل علني ومريب ووحشيّة سافرة إلى درجة أن توماس هوبس صرخ: “الإنسان هو ذئب لأخيه الإنسان”!..

 

هل فعلا الإنسان هو ذئب فاتك، ضيغم مهول وضبع شرس، لكن متلبّس هيئة بشرية، لا شاغل له سوى القتل والتنكيل؟

يقول الشاعر الياس فرحات:

الذئب يترك شيئًا من فريسته

للجائعين من الذؤابان إن شبعا

والمرء وهو يداوي البطنَ من شمٍ

يسعى ليسلب طاوي البطن ما جمعا!!

الذئب إن شبع توقف عن الطعام وترك لغيره من الذئاب شيئًا يسيرًا من شبم الطريدة، أما الإنسان فيأكل حصته وحصّة غيره، ولو شبع وأتخم يظل يأكل ويأكل ولو مات جراء فعلته ، همه التهام رزق غيره…

هذا النوع من الشراهة موجود في الرجل الشبقي، الذي يشبع ملذاته الجنسية بالقهر والبغاء والسفالة وقلة إدراك وجهل لأمور الحياة…

هذا النوع من الشراهة هو ذلك الإنسان المتعطش إلى البترول والوقود يرتوي منهما بنهم غير مسبوق، فإذا كانا شرابًا سحريًا يطيل الحياة، هل يملّ هؤلاء المجرمون من تجرّعه؟

أم أن الإنسان مفطور على شرب كل ما له مفعول مميت مثل الكحول وتدخين السجائر الضارة واليابسة التي تؤدي إلى نتيجة واحدة: الموت بالسرطان!

 

عجيب أمر الذي ينفق المليارات على تصرفات تقوده بغير إرادة منه إلى حتفه وهو يستميت من أجلها وينفق العمر في الحصول عليها.

لي رغبة شديدة، وأتضرّع بشدّة أن يهب الله ملايين الخيرات والأموال والحلي والمصاغ إلى أصحاب:

المولدات، السوبرماركت، المحطات، المستودعات: مواد غذائية، أدوية، خيرات مختلفة، أجل أتمنى لكم بوسع القلوب وأنّات المظلومين، أن يمنّ عليكم خالق الكون بأطنان الذهب وصناديق العملات العالمية حتى لتضيق بها بيوتكم وبيوت أحبابكم، أحيطوا أنفسكم بها واجلسوا عليها مع عيالكم وربعكم، دسّوها في فراشكم واستعملوها بدل الأغطية والملآت، أولموا الولائم وهي تحت الموائد، اعزفوا الموسيقى وشاهدوا التلفزيون وارقصوا رقصة الهنود الحمر حول النار، أزكوا هذه النار لتضاهي نار جهنم في إضرامها وارتفاعها وتأججها، فلا شيء أجمل من حفلات الشيطان التي تجيدونها والأرواح البريئة التي تستبيحونها!!..

يقول باسكال: “ليس عارًا على الإنسان أن يسقط أمام الألم، ولكن أن ينهار أمام اللذة”.

كثر باعوا أنفسهم للشيطان بأثمان بخسة، وخنقوا إخوة لهم في الإنسانية لأجل صغائر لا نفع منها.

كريزوس يتلقى الجزية من أحد أتباعه، بريشة كلود فينيون

 

يذكر التاريخ الملك كريزوس (Croesus)، أغنى رجل في تاريخ البشرية لكن  لا أحد يعرف عنه فضيلة أو مكرمة أو عملا واحدًا ذات قيمة.

يقول أبو فراس الحمداني:

مَن يَثِقُ الإِنسانُ فيما يَنوبُهُ

وَمِن أَينَ لِلحُرِّ الكَريمِ صِحابُ

وَقَد صارَ هَذا الناسُ إِلّا أَقَلَّهُم

ذِئاباً عَلى أَجسادِهِنَّ ثِيابُ!!..

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *